ذاكرةفي الواجهة

“دابا بريس” تواصل تشر حلقات الصحافي حفيظ وحلقة اليوم 14 تعليقا على سياقات ونتائج العملية الإرهابية أركانة بمراكش

هذه الزاوية التي وصلت اليوم حلقتها 15، تحكي وتوثق لكتابات صحافية لمحمد حفيظ، عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة مع الحزب عبر نشرة ناطقة تقريبا بالشبيبة الاتحادية، بنزقها ومشاكستها يومها للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي والتي اسمها “النشرة”، ثم انتمى لتجربة معارك فصل أو على الأقل خوض تجربة بناء صحافة مستقلة وحرة بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة وأحيانا الكابحة لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبنفس المستوى البعيدة عن سطوة إعلام السلطة.

في هذه الحلقات نستمر عبرها في نشر و نقل تفاعل إعلامي خاصم بتجربته صحافية الدولة، بنفس المستوى الذي خاصم فيها انتماءه السياسي الحزبي في كثير من المناسبات، متشبتا بمهنيته يومها مديرا مسؤولا عن الحياة الجديدة.
، التي هي من احتضنت هذه الافتتاحيات.

وفيما يلي:

محمد حفيظ

الحلقة 15: “أركانة” رمز الانتصار…

أفدح خسارة أسفر عنها تفجير مقهى «أركانة» بمراكش، صباح يوم الخميس 28 أبريل، هي تلك الأرواح البريئة التي سقطت والمخلفات النفسية التي أصابت المعطوبين. وأمام هذه الخسارة الفادحة التي ألمت بالمغرب وبضيوفه بسبب ذلك العمل الإرهابي، الذي انتهك الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية، لا نملك إلا أن نتقدم بالتعازي إلى أسر الضحايا القتلى، وندعو بالشفاء العاجل للضحايا المصابين لاسترجاع عافيتهم والتغلب على الأضرار النفسية التي قد يتسبب لهم فيها ذلك الاعتداء السافر.

لابد أن كثيرين منا وضعوا أيديهم على قلوبهم، عند سماع خبر ذلك التفجير الإرهابي، خوفا من أن يخلف خسارات أخرى قد تعصف بالآمال التي بدأ يتطلع إليها المغاربة، بعد أن ضخ الشباب المغربي طاقته لتشغيل محرك الديمقراطية. ولعل هذا ما يسفر التعليقات الأولى التي أعقبت التفجير مباشرة، والتي كانت تطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما وقع؟؟ ومن يكون وراء ما وقع؟؟ ولفائدة من يمكن أن يقع؟؟… إلى درجة جعلت بعض التعليقات لا يسلم من اللجوء إلى «نظرية المؤامرة» لتفسير ما وقع في تلك المدينة المغربية الجميلة وفي تلك الساحة العريقة التي نقلت التراث المغربي إلى العالمية.
لكن، لا بد أن نسجل أن ما بعد 28 أبريل 2011 لم يشبه ما بعد 16 ماي 2003. نتمنى أن تكون ثماني سنوات كافية للدولة والمجتمع من أجل استخلاص الدروس والعبر. فكلنا يتذكر كيف ساهم تعامل الدولة، من خلال أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، ورد فعل بعض مكونات المجتمع، في ألا تنتهي خسائر 16 ماي عند حدودها الزمانية والمكانية التي وقع فيها التفجير. وهي الخسائر التي مازالت تطاردنا إلى اليوم، ومازلنا لم ننجح بعد في التخلص من كل مخلفاتها.

الموضوعية تقتضي أن نقر بأن الأيام الأولى التي أعقبت انفجار «أركانة» تقدم مؤشرات تفيد بأن المغرب، اليوم، عرف كيف يتعامل مع هذا الانفجار الأخير، حتى لا تنتشر شظاياه خارج مسرح الجريمة. والأكيد أن المغرب هزم، بهذا الاختيار، من يقفون وراء الجريمة، لأن هدفهم هو أن تمتد آثار جرمهم ومخلفاته في الزمان والمكان.

تعليمات الملك إلى وزيري الداخلية والعدل كانت واضحة، حين دعا إلى أن يلتزم البحث بسيادة القانون، وأن يتم «في ظل سلطة القضاء». وقد حرص الملك على دعوة السلطات المعنية بالتحقيق والبحث إلى «التعجيل بإخبار الرأي العام بنتائج هذا البحث بما يقتضيه من شفافية وكشف للحقيقة».

«سيادة القانون»، «سلطة القضاء»، «إخبار الرأي العام»، «الشفافية» و«كشف الحقيقة» عبارات تفيد بأن هناك توجها نحو عدم تكرار ما جرى قبل ثماني سنوات، حين تم الدوس على القانون، وانتفت سلطة القضاء، وتم التعتيم على الرأي العام، وظلت الحقيقة ناقصة.

مكونات المجتمع المغربي، هي الأخرى، أجمعت على إدانة هذا الفعل الإرهابي والتنديد به. ولم يبادر أي منها إلى استغلال ما وقع في أية حسابات سياسية ضيقة، من أجل إضعاف هذا الطرف أو ذلك.

الأجهزة الأمنية، بحسب ما تفيده المعطيات التي تصلنا والمتابعات الصحافية، تباشر التحقيقات بهدوء، وبدون أن تسقط في حالة «الهستيريا» التي أصابتها بعد تفجيرات 16 ماي 2003.

أما شباب 20 فبراير، فقد برهنوا مرة أخرى عن مستواهم العالي ونضجهم الراقي في التعامل مع قضايا الوطن. لقد سارعوا إلى التنديد بالإرهاب، ونظموا وقفة احتجاجية ضد من قام بهذه الجريمة، وتضامنية مع الضحايا في ساحة جامع الفنا التي استهدفها التفجير الإرهابي، وتبرعوا بالدم لصالح جرحى التفجير، وأعلنوا، بعد ذلك، أنهم سيواصلون الخروج إلى الشارع للاستمرار في التذكير والتشبث بمطالبهم السياسية والاجتماعية وغيرها. ودعوا إلى مسيرة وطنية احتجاجية وتضامنية بمراكش يوم الأحد 08 ماي الجاري.

 

ألا يمكن أن نقر، إذن، بأن المغرب، هذه المرة، انتصر على الإرهاب. ولعل هذا أول جواب من المغرب بمختلف مكوناته للحد من تداعيات ومخلفات تفجير «الأركانة».

لقد تغلبنا «سياسيا» على هذه الضربة الأليمة. أما الانتصار «أمنيا»، فيبدو أنه يحتاج إلى عمل كبير لتأهيل القدرات الوقائية لجهازنا الأمني، حتى لا تكون بلادنا لقمة سائغة لكل من أراد أن يعتدي عليها.

… و”قضية نيني” عنوان التراجع

في نفس اليوم الذي تعرضت فيه «الأركانة» للتفجير الإرهابي، وعلى بعد أيام قليلة من الاحتفال باليوم العلمي للصحافة، أبت السلطات عندنا إلا أن تسبقنا وتحتفل باعتقال مدير يومية «المساء». فوجدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية نفسها مضطرة، بعد أن انتهت من صياغة تقريرها السنوي عن وضعية الصحافة المغربية الذي اعتادت أن تقدمه عشية الاحتفال باليوم المذكور، إلى أن تضيف حالة نيني إلى الحالات التي رصدتها خلال هذه السنة في ما يخص التجاوزات التي ترتكبها السلطات المغربية في مجال حرية الصحافة.

لم يكن هناك أي لزوم لاعتقال مدير «المساء». فلا «إجراء بحث دقيق معه في ما نشره»، كما جاء في أمر النيابة العامة إلى الشرطة القضائية، كان يقضي وضعه رهن الحراسة النظرية، ولا المحاكمة كانت تقتضي أن يُتابَع في حالة اعتقال.

نعم، الصحافي ليس فوق القانون. قلناها مرارا. ولا يمكن أن يتمتع بأي وضع امتيازي، إلا الوضع الذي تخوله إياه مهنة الصحافة أثناء ممارسته لها. ولذلك، فإذا كان أمرا طبيعيا أن يلجأ كل من تضرر مما ينشره نيني، شخصا كان أم مؤسسة، إلى مقاضاته، من أجل رد الاعتبار وحتى من أجل التعويض عن الضرر، فإن غير الطبيعي هو أن تتخذ النيابة العامة إجراءات تقضي باعتقال نيني منذ مرحلة الاستماع إليه، وتحذو المحكمة حذوها في رفض تمتيعه بالسراح المؤقت.

اختارت النيابة العامة أن تقرر المتابعة بناء على فصول من القانون الجنائي، لتبرير الاعتقال، لكن ما تم التحقيق فيه مع نيني يتعلق بقضايا النشر. ولأن الأمر كذلك، فلم يكن هناك أي داع لإصدار الأمر بالاعتقال.

الجسم الصحافي في المغرب، بنقاباته وناشريه، والمنظمات الحقوقية كلها ضد استمرار العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر. ووزير العدل نفسه، وقبل أيام من اعتقال نيني، أعلن في برنامج تلفزيوني أن المغرب لم يعد يوجد فيه صحافي معتقل من أجل قضايا النشر. لكن النيابة العامة، التي يترأسها الوزير نفسه، أصرت على أن تقدم الجواب اليقين في الواقع، فجاء جوابها في الأرض لينسخ جواب الوزير على الهواء.

رجاء، لا تعكروا صفو هذه المرحلة التي بدأ ينتعش فيها المغرب بفعل انخراط شبابه، بكل هدوء وتحضر، في صنع المستقبل وإصلاح ما أفسده السابقون.

لا تضيعوا الوقت في الحسابات الصغيرة. فالمغرب أمام قضايا كبيرة ومهام جليلة أكبر من الأشخاص، مهما كان وضعهم، لأنها في حجم الوطن الذي يكبر الجميع.

بقدر ما تحولت «أركانة» إلى رمز لانتصار المغرب والمغاربة، جاءت «قضية نيني» لتمثل عنوانا للتراجع وعودة إلى الوراء.

5 ماي 2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى