كان من أبرز النتائج التي حققتها حركة 20 فبراير، الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011، الذي جاء بعد أقل من شهر على مسيرتها الأولى التي غطت الكثير من المدن والقرى،والتي كانت، خاصة: في بدايتها واضحة في شعارها المركزي”ملكية برلمانية حقيقية”، وإطار سياسي دستوري واضح في منهجه وفي صياغتيه يؤدي لفصل حقيقي للسلط، وينتصر لسلطة الانتخاب ويحدد المسؤوليات، ويجعل من يحكم يخضع لقواعد ربط المسؤولية بالمحاسبة، وكان واضحا في بداية الحركة، أنها تسعى لفصل السلطة عن الثروة والمال، وكان واضحا أنها كانت تنتصر في منطلقاتها لحركة إصلاحية جدية ومبدئية بل وصارمة.
في هذه الحلقة 11 من سلسلة افتتاحيات الصحافي والإعلامي، محمد حفيظ، بجريدة “الحياة الجديدة” يبرز في تفاعل مع الأحداث والوقائع جوانب من التخوفات والقلق في المنهجية التي كانت جارية في إعداد التعديلات التي ستدخل على الدستور، باعتباره كان مقترح الحركة الشبابية مدخلا لباقي التغييرات والإصلاحات، وكان ردا قويا على إرادة الدولة فيما سبق، ترديدها أن حلقة الإصلاح المؤسساتي الدستوري والسياسي استنفدت، وأن المطلوب مباشرة إصلاحات اقتصادية واجتماعية وفقط.
كان خطاب 9 مارس 2011، أول رد فعل من أهم فاعل سياسي في المغرب ممثلا في الملك، وفيه اقترح الية لوضع تعديلات في الدستور، محمد حفيظ من زاوية تفاعله كتب افتتاحية تفاعلية مع منهجية وشكل اشتغال هذه الآلية…
افتتاحية رقم 11 والصحافي محمد حفيظ…
حذار من جسم دستوري مشوه..
شرعت اللجنة الخاصة بمراجعة الدستور في الاستماع إلى الأحزاب السياسية في شأن مقترحاتها لتعديل الدستور. وكانت اللجنة الأخرى التي يرأسها المستشار الملكي محمد المعتصم قد التقت بالأحزاب والنقابات دفعة واحدة، في لقاء منح فيه لقادة الأحزاب والنقابات بضع دقائق للكلام.
المنهجية التي يجري اعتمادها، إلى حد الآن، ومنذ خطاب الملك في 9 مارس، لم تسلم من ردود فعل نقدية. فبقدر ما خلف خطاب 9 مارس ردود فعل إيجابية، جاءت المنهجية الجارية لتسفر عن ردود فعل سلبية، جعلت البعض لا يخفي قلقه مما يحدث، ويشكك في ما سيسفر عنه هذا التعديل الدستوري.
ومعلوم أن في مثل هذه المحطات الكبرى والفاصلة، لا تنفصل المنهجية عن المضمون الذي يرجى الوصول إليه. بل إن المنهجية بمثابة المقدمات التي تؤدي إلى النتائج التي يراد تحقيقها.
إن طبيعة المرحلة التي تمر منها بلادنا والدينامية التي يشهدها الشارع المغربي، من خلال أشكال وأساليب جديدة وغير مسبوقة في التعبير والاحتجاج، كان ينبغي أن تدفع في اتجاه اعتماد نهج آخر غير النهج الذي اعْتُمِد، أولا، في تشكيل لجنة مراجعة الدستور، وثانيا، في أسلوب العمل الذي انتهجته. والواقع أن اللجنة لا تحظى بكل المقومات التي تجعلها قادرة على احتضان حوار وطني حقيقي يساير نبض المجتمع، ولا هي عوضت هذا النقص باقتراح طريقة تدير بها الحوار بكل انفتاح وتَفَتُّح وجرأة.
لا جدال في أن التعديل الدستوري الذي سيقدم عليه المغرب يأتي في سياق تفاعل بلادنا مع التحولات التي تعرفها المنطقة التي ننتمي إليها، وتفاعلها مع الحركية التي أطلقها شباب 20 فبراير، الذي حظي بتجاوب المجتمع. ولذلك، فإن عملية التعديل ليست مجرد عملية تقنية أو فنية، وإنما هي في العمق عملية سياسية، تقتضي، أولا وقبل كل شيء، المعالجة السياسية؛ أي تلك المعالجة التي تجيب عن المسألة الدستورية في بعدها السياسي، والتي تتوخى الوصول إلى اتفاق مختلف القوى المعتبرة التي لها القدرة الفعلية والواقعية على تعبئة قطاعات هامة وواسعة من المواطنين.
وبعد ذلك، يأتي دور التقني أو الخبير في القانون الدستوري، ليقدم الصيغ الدستورية التي تعكس المضمون السياسي الذي ارتضاه الفاعلون الرئيسيون. وهو ما يعني أن عمل اللجنة الخاصة بمراجعة الدستور يجب أن يكون عملا لاحقا لا سابقا. والحال، أن ما يجري، منذ 9 مارس إلى الآن (ومقداره ثلاثة أسابيع)، لا يهتم بالبعد السياسي. وإلا كيف يتم اختزال التشاور مع الأحزاب في ذلك اللقاء الذي لا معنى له، غير التقاط صور لزعماء الأحزاب والنقابات، وتقديمهم في نشرات الأخبار، مشاركين مباركين.
المسألة الدستورية المطروحة علينا اليوم يعبر عنها السؤال التالي: أي نظام سياسي نريد لمغرب القرن 21؟ وبالتدقيق: أية ملكية نريد من دستور 2011؟ والجواب لن يكون إلا أحد اثنين: إما ملكية ديمقراطية. وإما ملكية غير ديمقراطية. والملكية الديمقراطية، بالمعنى الذي يحمله مفهوم الديمقراطية الذي يفيد بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه (أي بالمعنى الذي يضع السيادة بين أيدي الشعب)، لن تخرج عن «الملكية البرلمانية» التي لا يحكم فيها الملك، وإنما يسود رمزيا، لاعتبارات يحددها المغاربة في ما هو تاريخي وثقافي وديني…
بدون الجواب عن هذا السؤال، لا يمكن لأية لجنة، كيفما كانت كفاءة أعضائها العلمية ونزاهتهم الخلقية، أن تباشر عملها في إجراء تعديل للدستور، إذ لا يمكن لها أن تحل محل السياسيين.
إننا أمام محطة تاريخية تضع حدا فاصلا بين من يسعى فعلا ببلادنا إلى دخول الديمقراطية وبين من لازال يضع الموانع لعرقلة الوصول إلى هذا المطمح الذي يستحقه شعبنا وشبابنا وزمننا، والذي لا خيار لنا، شعبا وملكا، إلا أن نقرر دخوله بإرادتنا المشتركة.
ولا ينفع في هذه المحطة الغموض والالتباس أو اللعب بالكلمات والتحايل على العبارات. فإما موقف يدعو إلى دستور ديمقراطي، لننتقل مع وضع غير ديمقراطي إلى وضع ديمقراطي، وإما موقف يزكي دستورا غير ديمقراطي، ويبقى الوضع على ما هو عليه.
لقد عرض الملك في خطاب 9 مارس بعض المرتكزات، داعيا إلى الاستناد عليها في عمل لجنة تعديل الدستور. وتضمن بعضها مضامين يمكن الدفع بها في اتجاه نظام الملكية البرلمانية. وحرص الملك على أن يذيل هذه المرتكزات أو التوجهات العامة بالتنبيه إلى أنها لا تعفي اللجنة من «الاجتهاد الخلاق، لاقتراح منظومة دستورية متقدمة لمغرب الحاضر والمستقبل».
وهذه الدعوة تحمل اللجنة وكل قوى المجتمع مسؤولية تاريخية جسيمة. لقد أخلى الملك المسؤولية عنه، حين دعا اللجنة إلى «اقتراح منظومة دستورية متقدمة لمغرب الحاضر والمستقبل». والسياق، هنا، (سياق نص الخطاب الملكي، وسياق الحركية التي يعيشها المغرب وسياق التحولات التي تشهدها المنطقة) يجعلنا نقرأ هذا التحفيز بمثابة دعوة إلى إخضاع المؤسسة الملكية نفسها واختصاصاتها إلى «الإطار المرجعي» نفسه الذي تحيل إليه المرتكزات السبعة التي استهدفت المؤسسات الأخرى (البرلمان، الحكومة، القضاء). وإلا فإن عمل اللجنة، إذا تم اعتماد خيار آخر، سيسفر عن ولادة جسم دستوري مشوه، يكرس الاستبداد في رأسه، ويدعي الديمقراطية في أطرافه.
لقد مرت، إلى الآن، ثلاثة أسابيع على بداية تشكل الجنين الدستوري. وعلينا أن نكون حذرين من أخطار البداية. ففي المراحل الأولى من تشكل الجنين، يكون خطر الإجهاض أو «السقوط» أكثر احتمالا، والأمر نفسه بالنسبة إلى خطر الإصابة بالتشوهات.
31 مارس 2011