رأي/ كرونيك

كبرياء الإنسانية: معول كوفيد.. وحظر العزاء

في هذه اللحظة…يزحف الحزن الكئيب بكل ثقله إلى الزقاق حيث أقطن…
صرخة تمزق القلوب…
نوافذ تفتح على المجهول…
همهمات… همسات… ثم صمت مؤقت..
سبق نعي امرأة كل دعاء مؤجل…
المئذنة خجولة…
والسماء تنظر فقط…
واعظ الحي أجل موعظته إلى أجل غير مسمى…
إمام الصلوات… افتقد هذا المساء بكل كمد تراويح الفقراء…
سيظل الدعاء ينتظر أكفا لا تعقم الأصابع…
الملائكة لا تحب رائحة الكحول …
المعقمات لا تلغي للموت… ولكنها تجعله أليفا…
لا تعطل حصادته… لكنها تزيف هدير محركها الصاخب…


كوفيد… يضرب كبرياء حضارتنا في العمق…
كما ضرب داروين كبرياء الإنسانية…
وغاليلي يقين الكنيسة…
كوفيد يدور كما تدور الأرض..
الأرض لم تعد مركزا…
الأرض مجرد نقطة في وجود بلا حدود…


كوفيد… يحرج البشرية…
كوفيد الغادر تسلل إلى بيت جيراننا في صمت واختطف أمهم..
السيدة الطيبة… المناضلة التي تكافح كل يوم رفقة زوجها من أجل أسرتها…
رحلت… قبل قليل…
ورحل معها ملح الزقاق…
يصلني بكاء و أنين الأبناء…وذهول في العيون يخفي الخوف من لعنة الزمن الأغبر..
يعصرني عصرا تتكسر له أضلاعي وينفلت صوابي من هذا الألم الأبق الغارق في كبريائه مفتتا الكبد ..ينفطر له القلب…و تتوقف ساعة الحياة الرتيبة إلى حين…

و أشعر بالخوف..
الخوف… وغير الخوف…
عندي رغبة جامحة في البكاء …
فالموت ينعش ذاكرة الذين رحلوا قبل الأوان…

سأختفي لأبكي…
حولي تبدد الجمع…
ربما الكل اختفوا ليبكوا كالرجال…
وكيف يبكي الرجال…؟
يبكون مرتين..
بالدموع والانهيار الداخلي البطيء…
بعض الدموع لا تراها غير الملائكة…
فقط تأتي في صفحة من رواية حزينة


ماتت امرأة اليوم في الزقاق…
كانت أما و خيمة و هواء وبهاء…
تلك أم أخرى ينتزعها نزعا الوباء من كبد الحياة..
نافذة الأمل والعزاء ألبومي أغلقت إلى الأبد…
وأنا… لن أصادفها مرة ثانية في الزقاق بابتسامة الأمومة ونظرات الحنان…
الحزن على الأم لا يقاس بأي وجع…
صمت الأطفال ذهول…

ما معنى الموت…؟
لا ترى أمك مرة ثانية…؟
ربما تزورك في الأحلام…
غدت نجمة هناك…
انظر … كلما غلبك والشوق لها…
ارفع رأسك وكلمها…
النجوم أمهات تصخي السمع لليتامى…
الحظر جبان… أجلف…
لا يمنح مهلة الوداع والغياب بشرف…

صمت الحظر الليل غدا جبانا أمام نحيب أبنائها…
لكم الله يا أبنائي…
صدقوني…
كوفيد ليس أسطورة…
إنه عدو خفي يتسلل إليها في أوج الفرح أحيانا…
ليفرق بيننا…
ليختطف أهلنا…
لنحرم من الارتماء في الأحضان والبكاء..

لنحرم من خيمة عزاء حقيقية تخفف الصدمة… والوحدة … وهول الموت…
صعب أن يدبر الناس حزنهم معزولين عن العالم..
صعب ومر أن نحزن وحدنا…
صعب وقاس أن تغدو جنائزنا خيط دخان يتلاشى على الطريق..
صعب وقاس هذا الموت الذي يحظر البكاء والعزاء…
حزننا المغربي مختلف….
يشاركنا فيه الجيران والأغراب والبدو والأهل…
لهذا كنا نطيقه… وننظر في عينيه…
والآن… مع هذا الوباء…
بهدنا الحزن وحدنا…
وننصب خيمة يتيمة…
ونتوسل أحضانا لم يعطلها الخوف ولا التوجس…
وداعا سيدتي…
لأطفالك الله….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى