“أزمة سبتة المحتلة وانعدام ثقة المواطن المغربي في الهيئات المنتخبة المغربية”
– حقيقة الأزمة بين المغرب وإسبانيا:
صور و فيديوهات الهجرة الجماعية لآلاف المواطنين المغاربة نحو مدينة سبتة المحتلة، تملأ وسائل الإعلام الوطنية والدولية، مع تباين صارخ للتحليلات والمقاربات.
مقاربة هذا المشكل من التوجه الدولي والعلاقات الجيوستراتيجية أسالت مدادا كثيرا، ويمكن تلخيصها في الموقف الرسمي لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، الذي كشف مناورات الجارة الشمالية في الأيام الأخيرة لتشتيت انتباه الرأي العام الدولي حول الأصل الحقيقي للأزمة المغربية الإسبانية ، والتي تكمن في حقيقة أن مدريد فضلت التآمر مع خصوم المغرب في قضية المملكة الأولى وهي الصحراء المغربية.
حيث أن مدريد قررت بطريقة سيادية التحالف مع أعداء المملكة والترحيب على أراضيها بشخص “يشن الحرب يوميا على المغرب”، ففي 17 أبريل الجاري، استقبلت إسبانيا على أراضيها بطرق ملتوية،شخصا متهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم اغتصاب وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مع منحه هوية مزورة. وبررت فيما بعد هذه الخطوة الخطيرة بدافع إنساني! مع العلم أن الدوافع الإنسانية لا تتم بالخداع والاحتيال، والحديث المزدوج.
المغرب اليوم لا يبتز أي أحد كما تروج الآلة السياسية والإعلامية الاسبانية، بل يطالب بتحديد المواقف كما يجري الأمر في الساحة الدبلوماسية الدولية، وتحت ضوابط العلاقات الدولية بين البلدان التي تحترم نفسها، حيث أن التحالف مع دولة ما وعدوها، مسألة غير ممكنة في منطق العلاقات الدولية، ومنه فإن إسبانيا يجب أن تختار وتوضح موقفها بكل وضوح، وتقرر عن حليفها الحقيقي: هل هو المملكة المغربية الواضحة في مواقفها وأفعالها وموقفها” أم كيان وهمي.
دلالات الأزمة بالنسبة للهيئات السياسية المنتخبة المغربية:
منذ بداية نشر فيديوهات هجرة نحو ثمانية آلاف مغربي وبينهم نحو 1500 قاصر، إلى مدينة سبتة المحتلة، عبر تجاوز الأسوار الحدودية الموجودة في البحر، إما سباحة أو سيراً بمحاذاتها خلال فترة انحسار الأمواج، بدأت رسالة سياسية واضحة بالوصول إلى رئيس الحكومة المغربية ، وتأتي تصريحات المواطنين من عين المكان لترجمة الرسالة إلى كلمات وتأكيدها، حيث أن هذا النزوح الجماعي الغير المسبوق يؤكد يأس هؤلاء المواطنين وبحثهم عن الأمل خارج المغرب ولو كان ذالك نحو مدينة مغربية محتلة موجودة في القارة الإفريقية.
قد يتم تفسير رسالة اليأس هذه، بطريقة اعتيادية، حيث يتم تحميل المغاربة المهاجرين سريا، المسؤولية قانونيا وثقافيا، لكن لا يمكننا تطبيق هذا التحليل الاعتيادي أمام هذه الحال الغير الاعتيادية.
الحكومة المغربية ليست أمام محاولات فردية للهجرة السرية في أزمة سبتة المحتلة الراهنة، بل أمام نزوح جماعي لعائلات بأكملها وشباب وأطفال، ذهب ضحيتها شاب مغربي في ربيعه العشرين، اسمه صابر عزوز، له أم تطالب بجثة ابنها المتواجدة لدى السلطات الاسبانية، فنحن هنا نتكلم عن شاب مغربي يجب أن نضع وجها واسما على جثته ولا يمكننا اعتباره “نكرة” او رقما في الإحصاء السنوي للمهاجرين السريين.
تعرّف وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة (IOM) المهاجر بأنه أي شخص ينتقل أو ينتقل عبر حدود دولية أو داخل بلد بعيد عن مكان إقامته المعتاد ، بغض النظر عن: أولاً ، الوضع القانوني للشخص ، وثانيًا ما إذا كانت الحركة طوعيًا أو لا إراديًا ، وثالثًا ما هي أسباب الحركة ، أو رابعًا ، ما هي مدة الإقامة.
وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من الالتزامات المعروفة باسم “إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين” (A / RES / 71/1) ، اعترافاً بالحاجة إلى نهج شامل للهجرة والحث على الحفاظ على السلامة والكرامة والحقوق والحريات الأساسية لجميع المهاجرين بغض النظر عن حالتهم.
نتيجة لإعلان نيويورك ، وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على العمل معًا لتطوير الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية ، والذي تم اعتماده في مؤتمر حكومي دولي حول الهجرة الدولية في دجنبر 2018 بالمغرب.
ويغطي الميثاق العالمي للهجرة قضايا متنوعة مثل تعزيز حقوق العمل للعمال المهاجرين، وتحسين بيانات الهجرة كأساس للسياسات القائمة على الأدلة ، وإنقاذ الأرواح ، وتأسيس جهود دولية بشأن المهاجرين المفقودين ، من بين أمور أخرى كثيرة.
ويلخص المؤتمر الحكومي الذي احتضنته الحكومة المغربية الأسباب المختلفة التي قد تدعو للهجرة في : اضطرار اللاجئين إلى مغادرة وطنهم بسبب الحرب أو الخوف أو انعدام الثقة.
انعدام ثقة المواطن المغربي في الهيئات المنتخبة، مشكلة خطيرة يؤكدها العزوف الانتخابي، حيث لم تتعدى نسبة التصويت 37% في 2007.
والأحزاب المغربية اليوم خلال استعدادها للانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة متخوفة من إعادة سيناريو السابع من شتنبر 2007، والأحرى بها القراءة بعمق في أحداث سبتة المحتلة الأخيرة، فالنزوح الجماعي الغير منطقي للمواطنين المغاربة مؤشر واضح عن انعدام ثقة المغاربة في من يمثلونهم.
المواطن الذي يثق في حكومته وبرلمانه ومن يمثلونه، ينتقدهم ويعارضهم وينخرط في جميع آليات الديمقراطية التشاركية التي يضمنها دستور 2011، فلا يخاطر بحياته أمام أول فرصة تتاح له للفرار من وطنه و موقف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني المتمثل في الصمت، يزيد من الإحساس بعدم الثقة في الانتخابات والمنتخبين لدى المواطن المغربي.
وأن يكون رد فعل المؤسسات المنتخبة المغربية تجاه أزمة سبتة الحالية، مقتصرا في سؤال برلماني كتابي وحيد من فريق حزب الاستقلال بمجلس النواب يتساءل من خلاله عن “الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الهجرة الجماعية غير المسبوقة” كحزب معارض، مسألة كارثية.