ثقافة وفنون

وهم اسمه الرواية التاريخية… وليمة التاريخ المنتهية الصلاحية

إلى شعيب حليفي… قبل وبعد زمن الشاوية
إن الخطر الجديد على المجتمعات العربية والناطقة بالعربية هو وجود مشروع تدميري للقيم الثقافية والمعايير الأدبية، والترويج لنموذج ثقافي بلا قضية ولا هوية، يخترق الأدب.. الهدف منه ضرب الثقافة في رموزها و تعويم الأجناس الأدبية، وخلط الأوراق، مع الانتصار لكتابة بلا هوية ولا قضية، ودعم شبه أدب يقول أي شيء لكنه محايد أو بارد الوجدان الشعبي، بتشجيع مثلا ما سمي بالرواية التاريخية التي هي أصلا لا تاريخية، فالتاريخية السردية هي خيار جمالي للانفلات من الرقابة، ومواجهة ملتوية للسلطة وعنفها، وما يأتينا تحت مسمى رواية تاريخية، هو محكيات لا غير بدون مقاربة للتاريخ سرديا من رؤية جمالية ترهينية تطرح قضايا المجتمع وتترافع أدبيا من أجل قضاياه…
أخازي5
بقلم: خالد أخازي روائي وإعلامي

فالتاريخ في الرواية مادة للسرد وليس هدفا في حد ذاته عدا…عدا بعض الروائيين الذين قاربوا المتن التاريخي من زاوية جمالية وابدعوا لغة وأسلوبا وتخطيبا للحكي، كالروائي الكبير واسيني الأعرج، وأيقونة السرد العربي ابراهيم نصر الله والروائي المغربي الكبير المجدد شعيب حليفي رائد الواقعية التاريخية.
المتن التاريخي قد يأسر الكاتب في التكرار ويضيق معجمه السردي ويسقط الكاتب في اللحن والتعسف على مستوى السجلات اللغوية، وهذا ما وقع ليوسف زيدان الذي لم يستطع لحد الآن أن يبدع خارج المعجم الصوفي وثقافته في التحقيق التي ضيقت خرائط السرد عنده، ويمكن أن تتنبأ بعباراته ومعجمه الدلالي اللائحي، لهذا فهو أسير ما حقق تراثيا لغة ومعجما وحكيا، خلافا لواسيني الأعرج مثلا الذي له قدرة إبداعية غنية على السرد المتجدد لغة وتخطيبا وحكيا ومعجما، وعلى تنويع السجلات اللغوية وفق السياق والنسق، وله تلك المهارة العجيبة على صناعة الحيوات المحايثة والمشاكلة للواقع، ذاك التناص الجميل مع الواقع، بمنجز سردي متخيل يخترق كل المجتمعات لأن كونيته تتأسس من أنسنته للوجع والألم والحرية في بعدها الكوني، وفي السياق ذاته نجد ابراهيم نصر الله الذي شغلته القضية الفلسطينية فجعلها إنسانية، وجاءت نصوصه ذاكرة تؤصل للهوية، وتحاصر النسيان بالنسيان، لكنه كان يكتب بقلب فلسطيني جريح وبمهنية سردية كونية، دون أن يحوله الجرح الغائر إلى خطيب سياسي، فهو يعي أنه روائي أولا، ووظيفته الحكي، والحكي صنعة، فالتاريخ حاضر عنده، لكنه يشكل أفقا للسرد وفق رؤية جمالية لا تقريرية…

زمن الشاوية

ويختلف المنجز السردي عند شعيب حليفي في مقاربته للتاريخ، فهو خلافا لبعص الروائيين المغاربة الذين أنسوا في التاريخ المخملي بأجوائه السلطانية، وقضاياها الفولكلورية، ترفهم السردي، إذ يعوزهم خيال المعايشة، وخيال المشاكلة، اللذان هما نتاج تجارب إنسانية ببن الناس ومع الناس ومن شفاه الناس، اختار التاريخ غير الموثق، التاريخ الشفهي، معتمدا على الخبر والنادرة وحتى الحكاية الشعبية، وجعل هذا التاريخ الذي هو تاريخ الشعوب المهمشة، والتاريخ الذي يكاد يندثر باندثار الراوية الشعبية، وانحصار زمن حكي الجدات، أقول جعله منطلقا لرؤية مجتمعية وجمالية للكون والإنسان، وعبر عن واقع بكل تناقضاته وطموحاته في تناص تاريخي مركب باعتماد الحكاية الشعبية، فجاءت نصوصه عملا كبيرا بتنوع سجلاته اللغوية، وقدرته على تحميل المنجز الروائي مسؤولية الإجهار بالحلم والطموح الشعبيبن.

إن الخطاب السردي عند شعيب حليفي هو الذي يصنع الرؤية، وليس المتن، فالجمالية تتجسد في تخطيب الحكاية الشفوية، وتحويل ما تفرق من الخبر والنادرة والحكاية الشعبية إلى مشروع سردي، يحاكم الواقع ويشاكله ويشخصه بذاك التناص التاريخي الجميل الذي تميز به هذا الروائي الفذ، الذي رقى بالمحكي الشعب والسجلات اللغوية الشعبوية تخطيبا إلى مستوى جمالية العلامة والعبارة والجملة السردية، فالمهمل لغويا في اللسان الشعبي الشاوي، والذي كان مألوفا كتعبير قروي غدا غنيا بالدلالة وتموقع في الخطاب السردي صدارة الإبهار الأسلوبي و المعجمي والفونولوجي والحكائي..

الرواية التاريخية ليست وليمة معجمية ونبيذا أسلوبيا يقدم في أندلس مفقودة، ولا بلغة خرجت مزهوة من كتب المؤرخين، ولا هي لي لعنق المتصوفة والفلاسفة التراثيين وتحميلهم ما لا يطيقون، و لا هي لغة مخملية تبهر ولا تقنع، تمتع ولا تؤسس لرؤية للمجتمع والإنسان، إنها التاريخ الذي نستحضره بسجلات لغوية راهنية ورمزية غير موغلة ، إنه الماضي الذي فينا وليس وراءنا والذي لا مهرب منه في سياق سيوسيو سياسي ثقافي … الماضي الفاعل والمتشاكل مع الحاضر والذي يتكئ عليه الراهن المتشظي ليعبر عن نفسه جماليا لكن بتاريخية تتجاوز تحنيط اللغة و الاحتفال بالمسكوكات اللغوية شبه الفقهية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى