المانوزي يدعو إلى دمقرطة مرفق الخدمة العسكرية
إن الحق في تملك وسائل الدفاع والمقاومة الشرعية بكل مساواة يقتضي التعالي عن نظرية المؤامرة التي تحضرنا كلما ووجهنا أو فوجئنا بمبادرة، مما يتطلب التذكير بأهمية دمقرطة صناعة التشريع بفتح نقاش عمومي غير متسرع، فالدولة تسرعت بإخراج قانون التجنيد الإجباري في ظرفية حساسة تهم الوضع الاجتماعي الشبابي وبمناسبة وطنية تهم استمرار مقاومة الاستعمار الثقافي والاقتصادي؛ ومع كامل الاحترام لوجهات نظر غيرنا من الشباب والمثقفين والحقوقيين والأمنيين والبرلمانيين حول التشريع المتعلق بالخدمة العسكرية، أو المسمى بقانون التجنيد الإجباري؛ فالمجازفة بالقول بأن القانون شرع كفزاعة وذريعة لتطويق حرية التعبير وإرادة التظاهر والإحتجاج، موقف غير مرتكز على أساس ما دامت السلطة العمومية تملك العديد من وسائل القمع والتهديد تغنيها عن التحايل والتدليس عند رغبتها في كبح الجماح وشل الإرادة، بغض النظر عن إضمار الموقف لوصاية قاتلة على الشباب بخلفية تبخيس صموده وروحه الكفاحية؛ الشيء الذي يستدعي مزيدا من التفكير والتدقيق في كيفية التعامل مع قانون ناقص عن درجة الاعتبار، لأنه يوحي بكونه منسجم مع واجب وطني وكوني في العلاقة مع الحق في التربية والتكوين، بمحتوى تأهيلي بالتربية على المواطنة ورد الاعتبار لقيمها وقيم الحرية وحب الوطن والدفاع عنه، وعلى المشاركة في تدبير شؤونه وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، وفي نسجام تام مع واجب تحمل الأعباء المشتركة بروح تعاضدية وتضامنية، حماية للمشترك الوطني وحوزة التراب ووحدته، فليست سيادة الدولة إلا جزء منفعلا ومتفاعلا بالقانون والمشاعر الوطنية مع صون الكرامة الوطنية
لذلك فالنقاش ينبغي أن يلامس الخلفيات الحقيقية لعودة إصدار هذا القانون، وبكل شفافية ومسؤولية بالتركيز على فحص شرعيته وكذا مشروعيته خاصة في مدى ملأمته للدستور ومع المعايير الكونية للخدمة العسكرية ، فرغم أن عبارة “الإجباري” التي تقترن في بعض التشريعات بالتجنيد لغاية إبراز نفحة الإكراه، فإن المواطنين والمواطنات في حاجة إلى تمكينهم من الحق في تملك وسائل الدفاع الشرعي عن النفس والمال والعرض، كما يقول الفقهاء، فدون تمكينهم من هذه الوسائل وتحت مسؤوليتهم القانونية والتزامهم الأخلاقي، سيرهنون مهمة حماية مواطنتهم وأمنهم للغير وبأي ثمن، والمقصود هنا بالغير ليس فقط الدولة ومؤسساتها الأمنية والتشريعية والقضائية المختصة، والتي تملك شرعية استعمال القوة العمومية لتنفيذ السياسات ولردع المخالفات وفرض احترام القانون ضمن ما يسمى بالعنف المشروع والمؤسس على القانون، بل المقصود هو ذوو النفوذ والحاجة الى تغيير الوضع والمراكز المؤسساتية بالعنف وانتهاك القانون وقواعد السلم والديموقراطية، وقد يدفع الأمر الشبان إلى الهجرة من أجل العيش، أاو الارتزاق بالخارج، وما القضية الأفغانية إلا نموذجا ينبغي تمثل دروسه.
من هنا أثمن عودة الحق في الاستفادة من التكوين والتدريب في مجال الخدمة العسكرية، غير أن التدريب على استعمال السلاح الخفيف اللازم للدفاع الشرعي، يبقى شرطا لنجاعة ولجدوى القانون، وكذلك التمرين على كيفية التأهيل النفسي والبدني، لغاية الإعداد المعنوي لمواجهة المخاطر وتمثل قواعد الدفاع الاجتماعي والوقاية المدني، في حالة الحرب أو السلم.
ليطرح سؤال جدوى قضاء سنة في الثكنات بخلفية تأديبية وتربوية محضة ، والحال ان هذا الدور أن تلعبه المؤسسات التعليمية والرياضية وكذا الجمعيات الثقافية والتربوية المدنية ، وليتبعه سؤال فرعي حول حضور إرادة التطاول على اختصاصات قوى المجتمع المدني بنية تهريب الفعل المدني الحاضن لقيم التطوع والمواطنة والسلم ، بعلة امتصاص الاحتقان أو ترويض التمرد.
صحيح أن هناك توجسا لدى المصالح الأمنية يسود بسبب ظاهرة التطرف والإرهاب، غير أن هذا التوجس يؤكد الحاجة إلى ضرورة خلق توازن ومساواة في الاستفادة من التدريب على السلاح، فلا يعقل أن يراهن على جيش احتياطي افتراضي ثلثه من فلول العائدين من حروب مأجورة، أو الرهان على مقاومة شعبية لغزو مفترض أغلب عناصرها الفاعلة تدربت في حقول الحقد الاجتماعي، أو معسكرات العمى الايديولوجي المؤطر بالتكفير الديني والتطرف العقائدي .