عرفت منطقة سوس ماسة في العقود الأخيرة عجزا متفاقما في الموارد المائية خاصة منها الجوفية ، وذلك بفعل الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية لسقي المنتجات الفلاحية حيت تنتج المنطقة أزيد من 60 في المائة من صادرات المغرب من الخضر والبواكير،فضلا عن تزويدها للسوق الوطنية بكميات كبيرة من حاجياتها من الخضر وبعض أصناف الفواكه.
وترتب عن ضعف التساقطات المطرية في هذه المنطقة خلال العقود الأخيرة ، وعدم انتظاميتها بثقله على إشكالية ندرة الموارد المائية في جهة سوس ماسة ، حيث أصبح الجفاف ظاهرة هيكلية في هذه المنطقة المطبوعة بمناخها الجاف وشبه الجاف ، والتي لا يتجاوز فيها معدل التساقطات المطرية 150 ميليمتر سنويا في السهول ، و 600 ميليمتر سنويا في قمم الجبال.
إن، ندرة الماء بسوس ماسة تزيد من تخوفات ساكنتها ومن حدة قلقهم على مياه المنطقة وطريقة تدبيرها، هذه المادة الحيوية التي تتجه نحو القلة و الندرة بسبب عوامل مناخية و أخرى لها علاقة بالتدبير، فبالرغم من تسجيل وكالة الحوض المائي لارتفاع في نسبة ملأ السدود الثمانية بجهة سوس ماسة، حيث بلغ مجموع مخزونها المائي الى حدود فاتح مارس الجاري حوالي 138893 مليون متر مكعب، إلا أنه وكما سبق الذكر، ضعف و عدم انتظام التساقطات تجعل المنطقة معرضة دوما أن تكون ضحية للجفاف، خاصة و أنها من أهم المناطق الفلاحية في زراعة الحوامض و البواكر، ما جعل الساكنة و بعض فعاليات المجتمع المدني يتفاعلون سلبا مع مشروع استثماري يمس الماء، فبالنسبة لهم، هذا المشروع الذي سنحاول النبش فيه، وفي رهاناته المعلنة، قد يؤدي الى تفاقم مشكل ندرة الماء بالجهة، و في هذا الصدد ارتفعت أصوات منددة بالموافقة المبدئية على استغلال عين بوتبوقالت من طرف شركة WIN TISSIالخاصة ذات المسؤولية المحدودة و رأسمال لا يتجاوز100000درهم من أجل تعبئة مياه العين و بيعها في قوارير.
عين بوتبوقالت تمد سد بن تاشفين ب60 لترا في الثانية
تعتبر عين بوتبوقالت من اهم العيون بجهة سوس ماسة، وتقع بتراب جماعة ايت احمد إقليم تزنيت، حيث تحقن سد يوسف بن تاشفين بمعدل 60 لتر في الثانية، كما تعتبر موقعا سياحيا يجدب المئات من السياح المغاربة و الأجانب، للاستجمام و التمتع بالطبيعة العذرية.
تجمع عين بوتبوقالت بين الماء و الغابة و الجبل، وتتميز بجو لطيف منعدم الرطوبة و الجفاف الشديد، كما أنها تتوفر على أحد المعالم التاريخية من قيبل سوق “أربعاء ايت احمد”، الذي يعتبر من أقدم الأسواق.
و بالنسبة للبعض الفعاليات هذا الاستثمار، الذي سيجري الحديث عنه فيما سيأتي، قد يؤثر في مخزون الماء و قد يحرم الساكنة و الزوار من ولوج هذه المعلمة الطبيعية.
وبخصوص هذا الجدل، والتي أجرت “دابا بريس” بصدده لقاءات مع بعض المسؤولين المعنيين بالمشروع و المهندسين المتخصصين في الماء، فضلا عن لقاءات أخرى، وكل ذلك في محاولة للكشف عن تأثير هذا المشروع على الماء بالجهة و تمكين الساكنة من المعلومات الضرورية حوله.
رئيس جماعة ايت احمد: العين ستكون في حال أفضل على ما هو عليه
أجرت “دابا بريس”، في أول مراحل هذا التحقيق الأولي، لقاء مع رئيس جماعة ايت احمد العربي الكزار بمدينة تزنيت، حيث تبين من خلاله أن الجماعة لا تتوفر بعد على دفتر التحملات المشروع، و ان الجماعة كطرف أعطت الموافقة للشركة WIN TISS لتعبئة لتر في الثانية، مقابل الاستفادة من الإتاوة المتمثلة ب10سنتيم للتر أو كسر من اللتر، فبالنسبة للعربي رئيس جماعة ايت احمد، هذه الصفقة ستوفر للجماعة مداخيل مهمة سنويا تمكنها من تدبير جيد وتمكن الساكنة من الاستفادة من فرص شغل و تهيئة جيدة ،قائلا : إن العين ستكون في حال أفضل على ما هو عليه لأنها تتعرض للتلوث و رمي الازبال ، كما أوضح ان الاشغال القائمة حاليا والتي هي موضوع جدل، هي أشغال متعلقة ببناية تقنية من أجل إجراء الفحوصات الضرورية للماء ، مؤكدا أن مشروع تعبئة الماء لا زال قيد الدراسة و قد تصل لسنة فما فوق.
وأضاف رئيس الجماعة في التصريح ذاته، ل”دابا بريس”، أن شركة وين تيسي لم تأخد بعد الترخيص النهائي للتعبئة المياه، بل فقط الترخيص المبدئي المقيدباستيفاء الشروط ومنها أن تكون المياه صالحة للتعبئة و الشرب.
وفيما يخص تخوفات الساكنة من عدم قدرتهم ولوج العين كسابق عهدهم، فقد أكد رئيس الجماعة أن هذا غير وارد تماما، مضيفا أنه ما أن تحري هذه الصفقة، سيرافقها مشروع تهيئة العين لتحسين شروط استقبال الزوار و توفير شروط الراحة و بالمجان على حد قوله، وعلاقة بجمالية المنطقة ومدى تأثير بناء وحدة للتصنيع عليها، أكد الكزار ان البناية ستنشأ بعيد عن العين بكلومترات ولن تؤثر على جماليتها.
عبد الرحيم هندوف: وجب إعادة النظر في مشاريع تعبئة و بيع المياه في القوارير بالمغرب
ولمزيد من المعطيات وبغاية التأكد من عدم تسبب هذا المشروع في اي ضرر على سد يوسف بن تاشفين أو بجهة سوس ماسة، عقدت “دابا بريس”، لقاء مع رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة عبد الرحيم هندوف، أوضح من خلاله أن منطقة سوس ماسة هي منطقة جافة و مهددة بالجفاف.
و أشار في الحديث ذاته، أن اللتر الواحد في الثانية أي ما يناهز 35000 مليون قارورة لن يكون له تأثير على مياه السد، فقط يجب مراقبة هذه الشركات و قال “قبل أي استثمار له علاقة بالماء يجب اجراء دراسة مستفيضة حول تأثير ذلك على البيئة و على المحيط”،.
في السياق ذاته، صرح هندوف، في اللقاء نفسه مع “دابا بريس”، أنه يجب إعادة النظر في مشاريع تعبئة و بيع المياه في القوارير بالمغرب و بأثمنة جد باهظة، حيث اعتبرها بمثابة ريع، إذ لا تستفيد الدولة من مداخيلها في حين أن الشركات تحقق أرباحا طائلة، مضيفا ان سعر القوارير يفوق المتوسط ب %50 إذ تتراوح القنينة بين 5 و 6 دراهم للتر في حين الحد الأدنى للأجر الصافي لا يتجاوز 2500درهم، منبها لضرورة معرفة ما إن كان هناك مستفيدون تاريخيون من العين أو سافلتها، او ما إذا كانت تستخدم للسقي أو توفير الماء الصالح للشرب للساكنة.
ووللمزيد من الأجوب على الأسئلة التي يثيرها هذا المشروع، توجهنا لوكالة الحوض المائي، لنحصل على معلومات أخرى ولمعرفة ما إذا كانت الشركة اتبعت وباقي المعنيين جميع المساطر القانونية، وللتأكد أيضا من مدى صحة تخوفات الساكنة أو صحة تصريحات رئيس الجماعة المتضاربة والتي عممتها بعض الصحف.
توضيحات وكالة حوض الماء اكادير
خلال اللقاء مع مسؤولي وكالة حوض الماء اكادير قُدمت ل”دابا بريس”، مجموعة توضيحات وأجوبة أهمها كون طلب استغلال صبيب 1 ل/ثانية من عين بوتبوقالت لأغراض تعبئتها وتسويقها الذي تقدمت به شركة WIN TISSI ستخضع لمقتضيات القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء وخاصة الفقرة الأولى من المادة 33 منه، التي تنص على أنه يخضع لنظام الإمتياز طلبات تهيئة العيون الطبيعية المعدنية أو الحارة وكذا جلب مياه العيون كيفما كانت طبيعتها بهدف تعبئتها وتسويقها، أو إذا كان الصبيب المراد جلبه يفوق العتبة المحددة بنص تنظيمي؛ لهذا حصل الطلب على الموافقة المبدئية للجنة الجهوية الموحدة للاستثمار خلال اجتماعها بتاريخ 10/03/2022 شريطة قيام الشركة بإنجاز مجموعة من الإجراءات الإدارية والقانونية والتقنية.
و أوضح مدير الوكالة و المهندسين القائمين على هذا المشروع أن الشركة حاليا هي بصدد تطبيق الدراسة و الاجراءات وفقا لتوجيهات المصالح الخارجية والمؤسسات العمومية المعنية بدراسة المشروع؛ و بالتالي لا يمكن اعتبار مشروع تعبئة مياه عين بوتبوقالت، مشروعا مقبولا بصفة نهائية، ويمكن أن يتم رفضه في أي مرحلة من المراحل إذا لم يتم استيفاء كافة الشروط القانونية والتقنية المطلوبة.
و أشار المصدر ذاته إلى أن الشركة لم تحصل بعد على الموافقة من طرف المصالح التابعة لقطاع الصحة، و في هذا الصدد، أكد أن الأشغال التي تقوم بها حاليا على مستوى مجرى العين تروم إلى إنجاز منشأة فنية لتجميع جزء من مياه العين من أجل تمكين مصالح قطاع الصحة من أخذ العينات لمدة سنة، وفق المعايير المعمول بها للقيام بالتحاليل المخبرية اللازمة للبث في مدى احترام هذه المياه لمعايير جودة الماء الغذائي من عدمه.
و جوابا على مدى تأثير المشروع على سد يوسف ابن تاشفين، أوضحت الوكالة أن معدل صبيب عين بوتبوقالت المسجل منذ سنة 1982 يقدر بـــ 50ل/ث، بينما الصبيب المطلوب من أجل إبرام عقد الامتياز لجلب مياه العين لأغراض تعبئتها وتسويقها هو صبيب ثابت ولا يتجاوز 1 ل/ث أي 2% في أقصى الأحوال من صبيب المنبع، وهذا ما سيجعل التأثير على واردات سد يوسف ابن تاشفين جد محدود (32 ألف متر مكعب في السنة)، علما أن الواردات الرئيسية للسد تعتمد أساسا على حمولات الأودية أثناء فترات التساقطات المطرية والتي تضمنها المخطط التوجيهي للتهيئة المنذمجة للموارد المائية لسوس ماسة و تبلغ 86 مليون متر مكعب في السنة.
رئيس قسم بوكالة حوض الماء أكادير..العين ليست عليها أية حقوق مكتسبة لصالح أي جهة
أما بخصوص احتجاج الساكنة و دراسة ما إن كانت هناك حقوق تاريخية لهم، فقد أوضح المهندس يوسف إيفكيرن رئيس قسم بوكالة حوض الماء أكادير، أن طلب استغلال مياه عين بوتبوقالت، خضع لمسطرة البحث العمومي تطبيقا لمقتضيات القانون 36.15 المتعلق بالماء والمرسوم رقم 2.07.96 بشأن الترخيصات والامتيازات المتعلقة باستغلال الملك العمومي المائي، حيث خضع الطلب لإجراءات اللصق والإشهار القانونية خلال الفترة الممتدة من 31/10/2022 إلى 14/11/2022 وتم نشره في جريدتين وطنيتين للإعلانات القانونية باللغة العربية، كما تم فتح باب تسجيل تعرضات وملاحظات الغير وفق سجل خاص و تم وضعه رهن إشارة العموم من طرف السلطة الإدارية المحلية لدائرة لأنزي بإقليم تزنيت ما بين 15/11/2022 و29/11/2022 دون تسجيل أية ملاحظة أو تعرض، مضيفا ان وكالة الحوض المائي لسوس ماسة والسلطات المحلية قد احترمت الإجراءات القانونية المعمول بها في مثل هذه الطلبات،
وأكد مسؤولو وكالة حوض الماء أن هذه العين ليست عليها أية حقوق مكتسبة لصالح أي جهة، كما أن هذه العين لم تستغل ولم يسبق أن كانت موضوع استغلال لفائدة أي نشاط كيفما كانت طبيعته، بل إن مياهها تتجه مباشرة وبشكل كامل إلى حقينة سد يوسف بن تاشفين عبر المجرى الطبيعي للوادي.
و أخيرا أوضح مدير الوكالة أن لديهم كل المعدات الضرورية و الكفاءات للتتبع إلتزام تعبئة واحد لتر في الثانية أكثر، وأضاف أنه يتمنى ان يرقى المشروع للحفاظ على مياه العين من الثلوث وأن يتمكن المستثمر من إنشاء تهيئة تروق الى طموحاتهم و تحقق تصورهم لهذه المنطقة لتصبح مثل او أفضل من نظيراتها، الحامة السخنى العين السخونة أو عين تمدوين، و أضاف أن هدف الوكالة هو الرقي بالمنطقة و الحفاظ على طبيعتها و مياهها من التلوث والإهدار، و أن الوكالة مستعدة للعمل و التعاون مع كل المستثمرين و الشركات شريطة جديتهم و واحترامهم للقانون، إلا أنه لا يمكن حاليا الاستجابة لطلب مماثل متعلق بتعبئة مياه هذه العين وتسويقها بعد حصول المستثمر الحالي على الموافقة المبدئية من الجهات المختصة، إلى حين الانتهاء من دراسة طلب الشركة الحالية تفاديا لأي إشكال قانوني أو تعارض بين الطلبات، خصوصا وأن المسطرة ذات طبيعة تعاقدية تتضمن العديد من الحقوق والواجبات بين الوكالة والجهة المعنية بحق الامتياز حسب ذكره فضلا عن إلزامية التأكد من مدى إمكانية استعمال مياه هذه العين لأغراض غذائية.
يبقى مشروع تعبئة وبيع مياه عين بوتبوقالت ، مفتوحا على كل الاحتمالات والتخوفات من طرف الساكنة والفعاليات الحقوقية البيئية بسوس، خاصة وأننا بصدد مشروع تجاري استثماري في مادة حيوية واستراتيجية ، وفي منطقة يخيم عليها شبح الجفاف..فبين تطمينات وكالة الحوض المائي وإبداء جاهزيتها لتتبع مدى احترام المستثمر للإجراءات القانونية قبل الحصول على الترخيص النهائي ، وبين الحماس المفرط لرئيس الجماعة العربي الكزار للمشروع ، ستكون عين بوتبوقالت محط اهتمام الساكنة و الفعاليات الحقوقية البيئية لتتبع مآلات مشروع يسميه المدافعون عنه “تثمين” ويصفه المعارضون ” تسليع”..وبين التثمين و التسليع ، طرف ثالث ، هو الشركة المستفيدة، التي تلتزم الصمت حاليا في ظل هذا الجدل ،وستحصد الارباح الطائلة في مادة هي عصب الحياة ، بل إحدى التحديات التي تؤرق المغرب والعالم برمته.هنا انتهى تحقيقنا في مرحلته الاولى، ليبقى مشروع عين بوتبوقالت رهين بمدى جدية ونزاهة الشركة المستثمرة وغيرتها على الثروة المائية ببلادنا،وحرصها على تنمية المنطقة، في انتظار نتائج الفحوصات واستجابة الشركة لمد “دابابريس” بمعلومات إضافية.
على سبيل الختم
سيظل بالنسبة لنا وللساكنة، مشروع تعبئة وبيع مياه عين بوتبوقالت ، مفتوحا على كل الاحتمالات والتخوفات من طرف الساكنة والفعاليات الحقوقية البيئية بسوس، خاصة وأننا بصدد مشروع تجاري استثماري في مادة حيوية واستراتيجية ، وفي منطقة يخيم عليها شبح الجفاف..فبين تطمينات وكالة الحوض المائي وإبداء جاهزيتها لتتبع مدى احترام المستثمر للإجراءات القانونية قبل الحصول على الترخيص النهائي ، وبين الحماس المفرط لرئيس الجماعة العربي الكزار للمشروع ، ستكون عين بوتبوقالت محط اهتمام الساكنة و الفعاليات الحقوقية البيئية لتتبع مآلات مشروع يسميه المدافعون عنه “تثمين” ويصفه المعارضون ” تسليع”..وبين التثمين و التسليع ، طرف ثالث ، هو الشركة المستفيدة، التي تلتزم الصمت حاليا في ظل هذا الجدل ،وستحصد الارباح الطائلة في مادة هي عصب الحياة ، بل إحدى التحديات التي تؤرق المغرب والعالم برمته.هنا انتهى تحقيقنا في مرحلته الاولى، ليبقى مشروع عين بوتبوقالت رهين بمدى جدية ونزاهة الشركة المستثمرة وغيرتها على الثروة المائية ببلادنا،وحرصها على تنمية المنطقة، في انتظار نتائج الفحوصات واستجابة الشركة لمد “دابابريس” بمعلومات إضافية.
ولنا عودة للموضوع……. —