الثقافة والتحول الرقمي: التحديات القائمة وآفاق التنمية لدول جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا
عائشة بوزرار*
يطرح كتاب الثقافة والتحول الرقمي، للكاتبة باميلا شرابيه، ما تشهده منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا من تحول رائد في مجال التقنية الرقمية، حيث شهدت ارتفاعاً ملحوظاً باعتماد الحلول والتطبيقات الرقمية الحديثة في مختلف القطاعات خلال السنوات العشر الماضية.
وساهم هذا التحول في إعادة هيكلة عمليات التواصل وإنتاج المحتوى وممارسة الأعمال التجارية والتفاعل بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، كما سهل الوصول إلى الخدمات وتبادل المعلومات والأفكار بين المواطنين.
مثلما شهد العالم الثقافي، أيضاً، تطوراً ملحوظاً، حيث طُرحت مبادرات رقمية جديدة للمحافظة على التراث وإبرازه عبر منصات إلكترونية متطورة؛ لأن التكنولوجيا الحديثة اليوم تحمل مسؤولية واسعة النطاق في الحفاظ على التراث الثقافي، إذْ لا تقتصر دورها في الحفاظ على الجوانب المادية فحسب، بل تمتد إلى الحفاظ على الجوانب غير المادية ايضا ومع اتفاقية منظمة اليونسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي، فإن الدول ومؤسساتها تسعى بجهود متواصلة إلى توثيق التقنيات الحديثة المتاحة سواء كانت تقنيات سمعية وبصرية أو تقنيات تكنولوجية متقدمة، بهدف الحفاظ على هذا التراث للأجيال القادمة وتعزيز الوعي بقيمته الثقافية والاجتماعية.
ويعد علم الآثار أحد العلوم الإنسانية الهامة التي تهتم بدراسة الماضي من خلال دراسة وتحليل الآثار المكتشفة، ويقوم على جانبين أساسيين هما التقنيات الآثارية للكشف عن المعطيات الميدانية، والجانب التحليلي لدراستها وفهمها.
تتمثل أهمية علم الآثار في إثراء معارفنا عن تاريخ الحضارات القديمة من خلال ما يكشفه من معطيات حول حياة الإنسان القديم، كما أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بعدد من العلوم الأخرى مثل العلوم الطبيعية، ما يُثري بُعده المعرفي ويسهم في التطور المستمر.
إن الهوية الثقافية هي مجموعة من العناصر و الخصائص التي يستقرؤها الأفراد و الجماعات للتمييز بينهم وبين الآخرين،تنشأ وتتشكل هذه الهوية منذ الطفولة من خلال التراكم التدريجي للتجارب والمعتقدات والقيم المكتسبة من العائلة والمجتمع والمحيط ، وتشمل مستويات فردية وجماعية ووطنية ، وتعتمد في التعبير عن نفسها على اللغة والثقافة والدين، تتميز بطبيعتها عن الوحدة والتماثل، إذ تقبل الاختلاق والتعدد. كما يمكن للهوية الثقافية ان تكون عامل توحيد المجتمع في حين يمكن أن تؤدي إلى التفرقة والصراع إذ ما فهمت بشكل خاطئ.
تواجه الهوية الثقافية واللغوية في عالمنا العربي تحديات كبيرة في زمن العولمة والرقمنة، فمن تحديات الهوية الثقافية :
1-انتشار وسائل الإعلام الغربية التي أثرت في الوعي الثقافي للشباب ؛
2-استخدام اللغات الأجنبية في المنزل والتعليم على حساب إهمال اللغة العربية ؛
3-انتشار وسائل التواصل الاجتماعي باللغات الأجنبية؛
4-ضعف مهارات القراءة والكتابة بالعربية لدى الشباب .
يحتاج أي نوع من الآداب إلى نقد يحدد خصائصه ويقيم مدى تحقيقه لوظائفه. والنقد الثقافي للأدب الرقمي الحديث عليه أن يتبنى منهجًا يتماشى مع طبيعة هذا النوع من الإبداع، لذا.. فإن المقاربة الوظيفية التي تركز على دور النص في نقل المعاني والقيم وتشكيل الوعي الثقافي، تكون الأنسب لتقييم هذا الأدب. حيث لا يكفي البحث في الجوانب البلاغية فحسب، بل لا بد من فهم العلاقات الكامنة بين مكونات النص وانسجامه الكلي.
بهذا المنظور، يتجاوز النقد دوره التقليدي كمجرد رؤية جمالية، ليؤدي وظيفته في تحليل أبعاد هذا الأدب الثقافية والاجتماعية.
وقد أسفرت جائحة كوفيد-19 ، عن وجود خلافات فقهية حول جواز استخدام التكنولوجيا الرقمية في أداء بعض العبادات والطقوس الدينية، وبرز الخلاف بخصوص صلاة الجماعة ،سواء العادية أو صلاة الجمعة -عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة مثل التلفاز والراديو ،واختلف الفقهاء حول جواز استبدال الاقتداء الحقيقي بالإمام باقتداء افتراضي عبر الوسائل الإلكترونية.
إن الحديث عن أثر الرقمنة في التحصيل الدراسي في ظل جائحة كوفيد-19،خلال فترة إغلاق المدارس والجامعات كان هذا التحول سريعا وفيه تحدّ كبير للجميع، إذ لم يكونوا مستعدين تقنيا ولم يتلقوا التدريب الكافي على أساليب التعليم عن بعد ، وقد اختلفت ظروف التعلم عن بعد باختلاف الظروف الاجتماعية و الاقتصادية للطلاب مما أثر على التحصيل بشكل غير متكافئ، وقد أظهرت بعض الدراسات تراجعا محدودا في مستوى التحصيل لدى الطلاب نتيجة التعلم عن بعد.
بشكل عام، يمكن القول أن أثر التعليم الإلكتروني على التحصيل خلال جائحة كرونا كان مختلطا ،لكنه أظهر إمكانات هذا النموذج تحت الظروف الاستثنائية ؛ ولا شك أن منصات التواصل الاجتماعي قد ساهمت في نشر الوعي وتبادل المعرفة بين الناس ،إلا أنها أيضا أتاحت المجال لانتشار بعض خطابات الكراهية والتعصب. ومع ذلك ،فإن وجود هذا النوع من المحتوى لا ينبغي أن يقلل من أهمية هذه المنصات كقنوات للحوار والتواصل بين الثقافات المختلفة .
كما يجب التمييز بين خطاب الكراهية وبين ممارسة حق النقد والتعبير عن وجهات النظر المختلفة، وعلى المنصات مراقبة المحتوى وحذف ما يتعارض مع قواعدها في حين يتوجب على المستخدمين تعزيز الوعي لتجنب الكراهية وبالتالي يمكن القول إن هذه المنصات لا تزال تحتاج الى التحسين لكي تتحقق أهدافها الاسمى .
لا يزال التمييز ضد المرأة ملحوظا في العديد من بلدان العالم بشكل أو بآخر، سواء على مستوى القوانين والتشريعات أو على أرض الواقع ،فالكثير من الدول لا تزال تحتوي في قوانينها وأنظمتها على أحكام تميزية تقلل من حقوق وكرامة المرأة ،كما أن التمييز الاجتماعي والثقافي ضدها لا يزال منتشرا .
ولذالك فإن نضال المرأة للمطالبة بحقوقها المسلوبة والعمل على إلغاء أنظمة التمييز ضدها قد استمر على مدى عقود طويلة في سبيل بناء مجتمعات أكثر عدالة ومساواة ،وما يزال الطريق طويلا في كثير من الاحيان لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين حول العالم .
شهدت المنطقة تحولاً رقمياً واسع النطاق أثر إيجاباً في مجالات عديدة، لكن تزايد تأثير وسائل الإعلام الغربية واستخدام اللغات الأجنبية يمثل تهديداً للهوية الثقافية العربية، كما أثارت التقنيات الجديدة خلافات بين الفقهاء حول بعض العبادات، ما يلمح لضرورة مواكبة التطور، وكشفت أزمة كوفيد-19 عن إمكانات التعلم عن بعد، لكنها أبرزت عدم المساواة بين فرص الطلاب، كذلك لا يزال التمييز ضد المرأة قائماً رغم الجهود المبذولة لتحقيق المساواة، وبالتالي فإنه علينا أن نستفيد من إيجابيات التقدم التقني ونعمل على تلافي سلبياته من خلال سن تشريعات تراعي المحددات الثقافية والاجتماعية.
*باحثة بماستر الإعلام الجديد والتسويق الرقمي، جامعة بن طفيل، القنيطرة