الرئسيةذاكرةشواهد على التاريخ

إلى روح الفقيد زعزاع..جماعة المواطن: تجربة تستعصي على الطمس(صلاحيات الملك..تازمامرت..التحالفات..) الحلقة الأخيرة

كانت الدولة مضطرة للتعامل مع الزخم الحقوقي و الاجتماعي و السياسي الذي شهده المغرب مطلع تسعينات القرن الماضي و محاولة إحداث نوع من الانفراج السياسي

فضيلي
بقلم خالد فضيل

رغم أن ” جماعة المواطن ” كانت قد شكلت وضعا استثنائيا و قيمة فكرية و سياسية مضافة و نقطة نظام مفصلية في تاريخ اليسار و لحظة وقوف نوعية لمسائلة الذات و الموضوع و السياق و الأخطاء و التقديرات و مناهج التفكير و العمل ، بجرعة زائدة من الجرأة و الإفصاح عن الحقائق ، إلا أنها لم تنل حظها من الإنصاف و التوثيق و التأريخ ، لا من طرف المتتبعين و لا من قبل من أسسوها و قرروا مواجهة استبداد الدولة و إزعاج أرتودكسية الكثير من فصائل اليسار و مسائلة نزوع مكونات الصف الديمقراطي نحو نهج الإيماءات و خطاب أنصاف الحقائق ، مواجهة كل ذلك بصيغ أكثر واقعية و برغماتية و حزما و مبدئية…

الحلقة 4..حل جماعة المواطن 

كانت الدولة مضطرة للتعامل مع الزخم الحقوقي و الاجتماعي و السياسي الذي شهده المغرب مطلع تسعينات القرن الماضي و محاولة إحداث نوع من الانفراج السياسي، فتم إطلاق المعتقلين السياسيين و السماح بعودة المنفيين في غشت 1991، كما تم إلغاء قانون ما من شأنه و الدعوة للاستفتاء حول مشروع دستور شتنبر 1992، جوابا على مذكرة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال المقدمة في 09 أكتوبر 1991 و مذكرة الكتلة الديمقراطية المؤرخة في 19 يونيو 1992. إزاء دستور 1992، إقترح بعض الرفاق أن نتخذ موقف ” لا “، مما سيمكننا من شرح موقفنا للمواطنين و فتح نقاش واسع معهم .

كان ذلك سيكون فرصة لمباغثة الدولة و إحراجها بموقف لا يكتفي بإصدار بيان للمقاطعة و يخلد إلى راحة البال و الضمير .كانت الظروف سانحة لخوض معركة دستورية مفتوحة أمام الرأي العام ، إلا أن منطق المواقف الجاهزة من جهة و اتخاذ الاتحاد و الاستقلال و المنظمة لموقف عدم المشاركة ، جعلا رأي ” لا ” للدستور أقلية في النقاش .ما بقي عالقا في ذهني هو اعتباري أن وجود هذا النوع من الأفكار داخل جماعة المواطن ، كان يترجم مؤشرات بارزة لوعي سياسي يساري جديد. كان هذا الاستنتاج مهما للغاية في اعتقادي ، آنذاك.

كنا قد اتفقنا على إقناع بعض المناضلين في المناطق ليكونوا مراسلين لصحافة المواطن، و لو بأسماء مستعارة، مع ضمان عدم تمكين أية جهة من الأسماء الحقيقية تحت أي ظرف.تطوعت لإنجاز هذه المهمة بوجدة بناء على التعاطف الذي كان يبديه الكثير من المناضلين مع التجربة.حددت موعدا مع الأستاذ (م.ل) و اقترحت عليه أن يحضر اللقاء كل من (ع. م) و (م .م )، الذي سيغير إسمه العائلي فيما بعد، باعتبارهما من قيدومي اليساريين بالمدينة إلى جانب تكوينهما في مجالات التاريخ و الفلسفة.

وصلت إلى منزل الأستاذ (م.ل) في الموعد المحدد.كان الجو ممطرا للغاية.بلغني المستضيف أن (ع.م ) إعتذر عن الحضور و أن النقاش سيكون بيننا نحن الثلاثة فقط . حين دخلت الغرفة التي كان من المفترض أن تحتضن النقاش حول تجربة “جماعة المواطن ” و الاتفاق على المراسل و صيغ التعامل بيننا ، وجدتهما منشغلين بمتابعة مباراة في كرة القدم.قلت في نفسي لا بأس سأنتظر حتى يفرغوا .إنتهت المباراة و خيم صمت ناطق بتخوفات أمنية للرجلين من المجازفة مع “جماعة المواطن”.

إحترمت تخوفاتهما و انسحبت بلطف و أنا أتذكر مقدمة جون واتربوري لكتابه “أمير المؤمنين، الملكية و النخب السياسية في المغرب” و إصرار لينين على تفسير تذبذب البرجوازية الصغرى أمام المنعطفات الحاسمة.أخذت الحافلة و عدت إلى الدار البيضاء و العديد من الأسئلة تدور في رأسي حول من يزايدون في السكون كثيرا و يختبئون وقت الفعل وراء كل الذرائع.علمت ، فيما بعد ، أن الرجلين و معهما المعتذر عن حضور اللقاء قد التحقوا بالفعاليات أيام التجميع.

لعل من أبرز الصعوبات التي واجهتها ” جماعة المواطن ” ، هي الحالة المادية لأعضائها و التي كانت تجعل من إصدار عدد أو تنقلات مناضل لإنجاز مهمة ما أمرا صعبا للغاية.

لذلك كان هذا المشكل مؤرقا و مؤثرا على الأداء العام للجماعة.بعد خروج عبد الله زعزاع من السجن بدأ يشتغل في مجال النجارة و كان مضطرا إلى اقتناء بعض الآليات البسيطة .في غياب السيولة دفع شيكا دون رصيد.كنت قد طلبته في هاتف المنزل فأجابتني زوجته، تلك المرأة الرائعة التي لم تحظى بما تستحق من تكريم ، و أبلغتني أنه رهن الاعتقال.

إعتقدت أن الأمر يتعلق بمتابعة سياسية و بدأت أستفسرها عن الأمر .حين أخبرتني بسبب استدعائه إلى النيابة العامة شعرت بالغبن.كيف يمكننا قبول أن يتعرض عبد الله زعزاع للمسائلة القضائية بسبب 7000 درهم هي ثمن ماكينة للنجارة؟ كيف نترك رجلا خرج توا من السجن بعد أن قضى فيه أكثر من 15 سنة من أجل مواقفه و انحيازه للجماهير، كيف يترك هكذا دون مساندة ؟ كيف نعتبر أنفسنا مناضلين و أصحاب مشروع سياسي و نحن لا يتحرك لنا جفن أمام معاناة المناضلين؟

حينما اعتقل السيد محمد العبادي، الذي أصبح فيما بعد مرشد جماعة العدل و الإحسان ، سنة 1990، دخل السجن و هو أستاذ بسيط لا يملك أي شيء و خرج منه بعد سنتين و هو في غنى عن أية متاعب مالية بفعل مآزرة أعضاء جماعته.التراث اليساري كله في مجالات التضامن و الممارسة الاجتماعية و القرب من الناس و خلايا الأحياء إلى آخر الحكاية ، ذهب في اتجاه آخر .اليساريون لا يجيدون سوى التلفظ بعبارات الدعم المطلق و اللامشروط و إطلاق شارات النصر الفارغة من أي جدوى و الخالية من أي وقع، ثم يذهبون إلى الحانات للإحتفاء .

كان مشكل تمويل الجريدة يطرح مع كل عدد و كان هذا الأمر مزعجا و مثبطا للغاية.عندما اتخذ قرار حل ” جماعة المواطن” بتاريخ 05 دجمبر 1992 ، شعرت أن الرفاق يتكتمون على الأسباب الحقيقية.

 

كنت قد تنقلت من تازة إلى الدار البيضاء لحضور الاجتماع.و صلت متأخرا لأن الحافلة وقع فيها عطب مرتين أثناء الرحلة.بمجرد وصولي سألت ، بنوع من السذاجة، عما أسفر عنه اللقاء ، فأجابني أحمد دابا بأنه تم حل ” جماعة المواطن” لأن غياب الإمكانيات المالية يحول دون الاستمرار في إصدار الجريدة و تحقيق المشروع السياسي الذي نريد.

ذهبت إلى عبد الله زعزاع فأكد لي نفس الأمر.كنت غاضبا جدا و اعتبرت أنه ليس من حقهم الإقدام على خطوة من هذا النوع و أن هذا القرار استخفاف بالمناضلين الذين يرون في “جماعة المواطن ” إمكانية واعدة في مجال النضال من أجل الديمقراطية و حقوق الناس و أنه يمكننا أن نتطوع و نقترض من الأبناك لتستمر هذه التجربة .بدأت أفاتح المناضلين في الموضوع .كان عبد الله المسفيوي و عبد السلام الباهي و محمد فجر متفهمون ، لكنهم لم يبدوا أية رد فعل .فيما تعامل عبد اللطيف زريكم و عبد الغني القباج بانضباط مع القرار و اعتبرا ألا مناص منه.و في الوقت الذي أقنعت فيه “مجموعة وجدة” و الرفيق مولاي إدريس من سيدي بنور ، بضرورة التصدي لقرار حل الجماعة و العمل على توفير بعض المال للإستمرار، فوجئنا ببلاغ مقتضب نشرته جريدة أنوال باللون الأسود ،ينهي الموضوع و يعلن الحل الرسمي للجماعة.

لازلت ،وبعد مرور 29 سنة عن الحدث، لم أقتنع بمسوغات ذلك القرار و مازال في وجداني تعلق بفلسفة تلك التجربة و حب كبير للمناضلين الذين كان لي شرف العمل معهم في تلك الظروف و تلك المرحلة.

لا أحد يمكنه المجادلة في كون تضحيات شعبنا و قواه الحية لم تذهب سدى سوى العدميون، طبعا ، و معهم من لا يفهمون قوانين التاريخ .لقد عرف المشهد الوطني تلاحق و تسارع العديد من الأحداث الكبرى التي أبرزت أن القناعة الاستراتيجية بالانتقال السلمي و الهادئ نحو الديمقراطية باتت تخترق الدولة و المجتمع معا ولعل كل ما حصل ، بدءا من خطاب السكتة القلبية و من ترتيبات التناوب التوافقي بين 1995 و 1998 ، مرورا بالمفهوم الجديد للسلطة (1999) و تبني خيار العدالة الانتقالية و الإنصاف و المصالحة (2004-2002) و مدونة الأسرة( 2003) و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005) و مقترح الحكم الذاتي (2006) و دستور يوليوز 2011 ، وصولا إلى الإقرار بفشل النموذج التنموي المعتمد منذ الاستقلال و صياغة نموذج تنموي جديد يتوخى بناء الدولة الاجتماعية، لعل كل ذلك و ماهو قادم، يجعلنا نعتقد أن الرهان على الخطاب الإصلاحي و الانتصار لاستراتيجية النضال الديمقراطي و التسلح بالأمل ، رغم المثبطات و سوء الفهم الكبير و ما قد يبدو من دواعي للقلق على المستقبل، هي الخيارات الأقدر على الإبقاء على الخيط الناظم لمسار انتقال البلاد نحو الديمقراطية واضحا و واثقا و على الدفع ببلادنا نحو عدم تفويت المواعيد مع الديمقراطية و التنمية و العدالة الاجتماعية و حقوق الناس .

أظن أن التناول الجريء لسؤال تأخر النخب الحالية المزمن عن متطلبات الانتقال الديمقراطي و عن التحديات المحدقة بالبلاد و عن تطلعات فئات شعبنا، يبقى مدخلا مركزيا لأية محاولة جادة تبتغي إنتاج خطاب و ممارسة جديرين بالإجابة عن تعقديات المرحلة .

أظن ذلك …

انتهى…

للمزيد…

إلى روح الفقيد زعزاع..جماعة المواطن: تجربة تستعصي على الطمس(صلاحيات الملك..تازمامرت..التحالفات..) الحلقة3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى