الرئسيةثقافة وفنون

المتدرب(The Apprentice).. فيلم ترامب الذي أشعل الجدل وأعاد رسم ملامح الزعيم المثير للانقسام

فيلم “المتدرب” (The Apprentice) يثير جدلاً واسعًا منذ عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي 2024، حيث تصاعدت ردود الأفعال بين مؤيدين ومعارضين، فبعد عرض الفيلم، قام محامي الرئيس الأمريكي السابق انذاك، دونالد ترامب، بإرسال خطاب يطالب بوقف عرضه، بينما شن ترامب نفسه هجومًا قاسيًا عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واصفًا إياه بأنه “عمل سياسي مثير للاشمئزاز والأحقاد”.
هذه الهجمات كان لها تأثير مباشر على عملية عرض الفيلم في الولايات المتحدة، حيث تأخر وصوله إلى دور العرض نتيجة لاخوف و رفض الموزعين دعمه، لكن في النهاية كان هذا لصالحه فقد بدأ العرضه التجاري قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ما جعل منه، بشكل غير مباشر، أداة تأثير في أيدي الناخبين، للتعرف على جزء من تاريخ أحد أبرز الشخصيات السياسية في العالم المعاصر، مما يضيف بعدًا سياسيًا لقصة أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة.

اليفلم من إخراج الدنماركي-الإيراني علي عباسي، وبطولة سيباستيان ستان وجيرمي سترونغ وماريا باكالوفا، نافس الفيلم على السعفة الذهبية في مهرجان كان، وهو يقدّم رؤية درامية لحياة دونالد ترامب في السبعينيات والثمانينيات.

يركز الفيلم على شخصيته الشابة التي شكلت الأساس لشخصية ترامب الحالية، متناولًا السنوات التي سبقت دخوله عالم السياسة، وتحديدًا فترة عمله في مجال الاستثمار العقاري، و الذي كان يخطط لإعادة تشكيل ملامح مدينة نيويورك، حيث كان يسعى لتحقيق حلمه في تحويلها إلى مركز حضاري فاخر، في وقت كان فيه الفقراء في المدينة يزدادون فقرًا، حيث يعكس الفيلم كيف أن سعي ترامب وراء النجاح المادي واكتساب النفوذ أدى إلى مزيد من الفقر في بعض المناطق وتدهور الرعاية الاجتماعية.

تبدأ القصة بمحاكمة شركة عائلة ترامب، التي تواجه اتهامات بالتمييز العنصري تجاه المستأجرين من أصول ملونة، ويظهر المحامي الشهير روي كوهين، و الذي يؤدي دوره جيرمي سترونغ، ليقود الدفاع عن العائلة.

كوهين الذي كان شخصية مثيرة للجدل بدوره، إذ ارتبط اسمه بعلاقات مع شخصيات سياسية مشهورة مثل الرئيس نيكسون والسيناتور مكارثي، الذي قاد أكبر حملة ضد اليساريين في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، مما أسفر عن تدمير حياة الكثيرين وفقدانهم وظائفهم، من بينهم الفنان الشهير تشارلي شابلن.

في حين تكشف قصة الفلم عن علاقة معقدة بين كوهين و ترامب لتمثل المحور الأساس لتطوير شخصية الرئيس الأميركي، فقد تجاوزت حدود المهنة لتصل إلى دور الأب البديل الذي شكل شخصية ترامب وأسهم في تكوين مبادئه التي لم تكن أخلاقية في جوهرها، حيث تميزت بالقيم التي تضع الفائزين في موقع متفوق على الآخرين.

على الجانب الآخر، يعرض الفيلم صراع ترامب الداخلي مع عائلته، وخاصة مع والده العنصري القاسي، الذي كان ينظر إليه بشكل متدنٍ حتى عندما وصل ترامب إلى ذروة نجاحه.من خلال سرد درامي مؤثر، حيث يستعرض الفيلم كيف أن المعاملة القاسية من والده لم تقرب ترامب من شقيقه الأكبر فريدي، الذي عانى هو الآخر من ازدراء و تحقير الأب، لم يُظهر ترامب أي تعاطف مع شقيقه فريدي، الذي عانى من مشكلات نفسية وإدمان الكحول، وهو ما أفضى إلى وفاته في ظروف غامضة، كما يصور الفيلم.

في نفس السياق، يصور الفلم علاقة ترامب بزوجته الأولى، إيفانا (الممثلة ماريا باكالوفا)، والتي بدأت بقصة رومانسية حيث تزوجها بعد مطاردة طويلة، قبل أن تتحول إلى علاقة مليئة بالتوترات؛ إذ سرعان ما شعر ترامب بالغيرة من نجاحها المهني، الأمر الذي دفعه لمحاولة تدميرها نفسياً و جسديا، يعرض الفيلم هذه الجوانب المعقدة من حياته بأسلوب درامي يتعمق في تفاعلات الشخصيات، ليكشف أبعاداً جديدة لشخصية ترامب.

الفيلم يركز بشكل رئيسي على تطور شخصية ترامب، ويقسم هذه الفترة إلى ثلاث مراحل: الأولى تمثل ترامب الشاب الطموح الذي يسعى لإثبات نفسه، ثم المرحلة الثانية حيث يصبح الرجل القوي الذي يتفوق على الجميع ويمارس ضغوطًا للحصول على امتيازات ضريبية، وأخيرًا المرحلة الثالثة التي تمثل قمة نجاحه المالي، لكنه ما زال يبحث عن المزيد، حتى وإن اضطر لإجراء عمليات جراحية لتحسين مظهره الخارجي. هذه المراحل تعكس تطور شخصيته النرجسية، التي تكشف عن طموحات غير محدودة.

من الناحية الفنية،يُعتبر الفيلم من أفلام الدراما التاريخية المتميزة، حيث يقدم أداءات تمثيلية رائعة، ويعيد بشكل مثالي تصوير الحقبة الزمنية بصرياً، سواء من خلال الأزياء أو الإضاءة أو الموسيقى، كما يعتبر “المتدرب” فيلماً مدفوعًا بالشخصية (Character-Driven Movie)، ويعتمد في نجاحه على كتابة الشخصيات وتطورها، وقد ابدع سيباستيان ستان في تقديم دور دونالد ترامب الشاب بأداءً مذهل نقل من خلاله التحولات المعقدة لشخصيته ، ويُعتبر هذا الدور الأفضل في مسيرته حتى الآن. في المقابل، يقدم جيرمي سترونغ، الذي اشتهر بدوره في مسلسل “الخلافة” (Succession)، أداءً قويًا في دور روي كوهين، حيث يعكس تدهور قوته ومكانته مع مرور الزمن و مجسداً ببراعة تفاصيل علاقته المركبة مع ترامب وصراعاته النفسية.

على الرغم من الجدل الذي أثير حوله بسبب توقيت عرضه، يعد فيلم “المتدرب” أكثر من مجرد سيرة ذاتية لشخصية ترامب. إنه دراسة معقدة لصعود رجل أثر في تاريخ الولايات المتحدة بشكل كبير، سواء في مجالات السياسة أو الاقتصاد. ولعل عرضه في وقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية جعل له بعداً خاصاً، لكنه يظل من أفضل أفلام عام 2024 بفضل أداءاته التمثيلية الرفيعة وقصته المثيرة التي تلقي الضوء على جوانب مهمة في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى