فتح الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، ملف أسعار المحروقات في المغرب من زاوية جديدة، زاوية يُفترض أن تكون أكثر جدية، لكن الواقع يقول إنها مجرد “دراما اقتصادية” على طريقة المسلسلات الطويلة التي لا تنتهي حلقاتها.
في هذا الإطار، تسأل اليماني بكل بساطة: هل ما زالت التفاهمات بين تجار المحروقات مستمرة؟ والسؤال هنا ليس مجرد استفسار عابر، بل هو بمثابة إشعار رسمي بأن الأمور لا تسير كما ينبغي في سوق المحروقات.
يأتي هذا السؤال عقب الشكاية الرسمية التي تقدمت بها النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، لمجلس المنافسة، والتي، تطالب فيها بالتدخل لمواجهة ما تعتبره تفاهمات غير قانونية بين تجار المحروقات لتحدد الأسعار بشكل غير شفاف وغير نزيه.
الشكاية تتهم هذه الممارسات بأنها تضر بالمنافسة الحرة في السوق، وهو ما يتناقض مع القوانين المنصوص عليها في دستور 2011، وبالتالي، يجد مجلس المنافسة نفسه تحت المجهر، وفي موقع محرج، حيث يجب عليه الرد على هذا الملف الشائك، بينما يحوم حوله شبح استغلال المستهلكين.
عندما يتحدث اليماني، يبدو وكأننا نعيش فصولاً من مسلسل درامي طويل، حيث تتكرر الأسئلة، ولا نجد لها إجابات شافية، هذه المرة، طرح اليماني سؤالاً بسيطاً، بل ربما نعرف الإجابة عليه مسبقاً، لكن لا بأس، دعونا نغوص في هذه “الدراما الاقتصادية”، إذ هو و على خلفية فرض غرامة تصالحية تساهلية على تجار المحروقات، يسحب اليماني مجلس المنافسة إلى مواجهةٍ مع مسؤولياته الدستورية.
إن المجلس، باعتباره مؤسسة حكامة أساسية جاءت مع دستور 2011، كان من المفترض أن يكون “حامي الحمى” للمستهلكين من التفاهمات المخفية التي قد تضر بالسوق، لكن حسب اليماني ما نراه في الواقع؟ هو ان المجلس فضل الجلوس في مقعد المتفرج بينما يتنافس تجار المحروقات بصفقات مشبوهة في لعبة الأسعار ، كأنهم يديرون “كازينو اقتصادي”، مليء بالرهانات الكبيرة، بينما المجلس يكتفي بمراقبة هذا العرض المثير.
من جهة أخرى يطل علينا المجلس بتقارير قد تبدو مكتوبة بعناية، ولكن، كما يصفها اليماني، هي أشبه بمقطوعة موسيقية صاخبة بلا لحن، تفتقر إلى التأثير الفعلي. هي مجرد “حبر على ورق” لا يغير شيئاً في واقع الأسعار المشتعلة، ولا يقدم حلولاً عملية للمستهلكين.
يتابع اليماني في نفس السياق المطبوع ب”الدراما الاقتصادية” متسائلا: ما الفائدة إذا من تقرير يقول إن “الوضع مستقر” بينما المواطن يعاني من فواتير الوقود التي تأخذ كل درهم من جيبه؟ هذا النوع من التقارير يبدو أكثر مثلا مسكنات تُقدم للمواطن لتجعله يشعر بأن “هناك من يهتم”، بينما الواقع يقول إن كل شيء يخرج عن السيطرة يوماً بعد يوم.
اليماني يعبّر عن خيبة أمله من هذه التقارير التي لا تقوم سوى بتجميل الصورة بدلاً من التصدي الفعلي لهذه التفاهمات غير القانونية، حيث يواصل المجلس إصدار بيانات حول المخزون والاستهلاك، وهي معطيات أساسية لكنها مهام يفترض أن تكون من اختصاص سلطات أخرى، بينما يبتعد عن دوره الأساسي في تطبيق آليات رقابية أشد صرامة، بما يمتلك من أدوات قانونية تخول له ضمان نزاهة سوق المحروقات.
فهل من المعقول أن تُترك الأسواق، يضيف المتحدث ذاته، لتمضي في هذا الاتجاه، حيث تواصل الشركات في رفع الأسعار دون رقيب؟ الإجابة على هذا السؤال ستكشف عن مدى قدرة المجلس على الوفاء بتعهداته الدستورية،
إن تساؤل الحسين اليماني عن استمرار التفاهمات حول أسعار المحروقات يشير إلى وجود حالة من الغموض وغياب الشفافية التي تتطلب معالجة جادة و فورية من قبل المؤسسات المعنية، فمجلس المنافسة مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بتفعيل دوره الدستوري في مراقبة الممارسات الاقتصادية غير النزيهة والشفافة والتي تحترم قواعد المنافسة، وضمان عدم وجود تلاعبات في السوق تضر بمصلحة المستهلكين.
ومهما كانت الأسباب التي أدت إلى تحرير أسعار المحروقات، يجب على الحكومة أن تضمن وجود آليات رقابية فعالة تحمي القدرة الشرائية للمواطنين وتضمن توازن السوق..
في الختام، يظل السؤال الذي طرحه اليماني قائماً: هل سنواصل مشاهدة هذه الدراما الاقتصادية بلا نهاية، أم أن المؤسسات المعنية ستتحرك في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إجراءات حقيقية تحمي المواطنين من الغلاء المستمر؟