وضع الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة “سامير” أصبع على جرحٍ لطالما أرهق المغاربة، فبينما الأرقام التسعيرية الصريحة لا تتجاوز 9.98 درهم للغازوال و11.06 درهم للبنزين، وفق طريقة الاحتساب “ما قبل التحرير”، إلا أنها تحولت اليوم إلى أحلام مستحيلة المنال أمام أسعار تصل في المحطات إلى 11.30 درهم و13.20 درهم على التوالي.
إن السؤال الجوهري هنا هو كيف قفزت هذه الأرقام؟.. و الإجابة تكمن في تلك السياسة التي وصفها اليماني بأنها تحرير “أعمى” قادتها حكومة بنكيران، وصمتت عنها حكومة أخنوش، لتصبح سوق المحروقات في المغرب مثالاً صارخاً على غياب التنافسية، وفقاً لليماني، تعتمد هذه الأرقام “المنطقية” على متوسط أسعار السوق الدولية وثمن صرف الدولار ومصاريف التأمينات والتوصيل، بالإضافة إلى الضرائب وهوامش الأرباح التي كانت محددة سلفاً.
لكن من الواضح أن هذه القواعد، التي كانت تضبط السوق، أصبحت مجرد ذكرى بعد قرار التحرير والذي فتح الباب أمام شركات التوزيع لتربح بلا حدود، حيث ارتفعت أرباح الشركات الفاعلة بشكل جنوني من 600 درهم للطن الواحد إلى أكثر من 2000 درهم لطن الغازوال وأكثر من 2500 درهم للبنزين، و ما كان يُعد ضرباً من الخيال تحول فجأة إلى واقع، إذ شهدت هذه الشركات طفرة مالية غير مسبوقة، تجلت في توسعاتها الميدانية ونمو أرباحها الخيالية، التي تفوق ما يمكن أن تتحمله أي سوق عادلة.
إن الحديث عن تحرير الأسعار يبدو أشبه بحكاية ملغومة. فالتبريرات الرسمية التي اعتبرت التحرير ضرورة اقتصادية، تبخرت أمام الحقائق التي كشفت عن ضرر بالغ طال القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود وسكان القرى المنهكين بتوالي سنوات الجفاف والسياسات الاجتماعية الفاشلة، و التضخم المستمر، وأعباء مالية تثقل كاهل الجميع، دون أي إشارات لإرادة سياسية حقيقية تعالج هذا الوضع المختل.
وحسب اليماني فإن ما يزيد الطين بلة هو أن التحرير لم يترافق مع أي خطة لضمان التنافسية، فالفاعلون في السوق ظلوا قلة محتكرة تتحكم في الأسعار بعيداً عن أي رقابة حقيقية أو إرادة لإعادة هيكلة القطاع، وحتى مجلس المنافسة، الذي كان يُفترض أن يكون الحَكم العادل في هذه المعركة، لم يفلح في كبح جماح الأرباح الطائلة بل وتحول الجلوس في مقعد المتفرجين ، و النتيجة كانت واضحة: أرباح متضخمة للموزعين مقابل فواتير ثقيلة للمستهلكين.
أما الحلول التي قدمها الحسين اليماني استناد لتصريح له، اطلعت “دابا بريس” على مضامينها، كخارطة طريق لاستعادة التوازن المفقود، فتتمثل في إعادة تكرير البترول في مصفاة المحمدية، و إلغاء تحرير الأسعار، وأيضا تخفيض الضرائب على المحروقات، وإعادة هيكلة القطاع الطاقي تحت مظلة الوكالة الوطنية للطاقة.
كلها خطوات تُظهر بوضوح أن المشكلة ليست تقنية بقدر ما هي سياسية بامتياز.
إن السيادة الطاقية، التي طالما تغنت بها الحكومات، أصبحت مجرد شعار أجوف أمام الواقع المرير الذي يكشف عن عجز في التسيير وإصرار على تحميل المواطن عبء القرارات غير المدروسة.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن الاحتجاجات الاجتماعية قادمة لا محالة. فالمغاربة الذين كانوا يأملون في تحسين ظروفهم، وجدوا أنفسهم عالقين بين مطرقة الأسعار الملتهبة وسندان غياب البدائل,
كما أشار اليماني، إلى “إن تحرير أسعار المحروقات والاستعجال في حذف الدعم وتحرير أسعار الغاز والتحضير لتحرير أسعار الكهرباء، يتطلب الانتباه ، لحجم الضرر البليغ، لهذا التوجه على مستوى التضخم وعلى القدرة الشرائية لعموم المواطنين.
إن تصريحات الحسين اليماني، إذن، ليست مجرد كلام عابر، إنها صرخة تعكس معاناة شعبٍ يُترك وحيداً في مواجهة سوقٍ متوحشة، وسياساتٍ لا تنظر أبعد من جيوب أرباب العمل.