شهد ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني تطوراً مفاجئاً أثار قلق الأوساط الاقتصادية في إسبانيا، حيث أعلنت مجموعة “مايرسك” الدنماركية، أكبر شركة شحن بحري في العالم، عن قرارها الاستراتيجي بتحويل جميع أنشطتها من الميناء الإسباني إلى ميناء طنجة المتوسط في المغرب.
هذا القرار يحمل أبعاداً اقتصادية واستراتيجية عميقة، إذ يمثل مكسباً كبيراً للمغرب وضربة موجعة للنشاط البحري الإسباني.
مايرسك، التي تمتلك أسطولاً يتجاوز 800 سفينة ضخمة، كانت تعتمد على ميناء الجزيرة الخضراء كأحد أهم نقاط التوقف لخطوطها المتجهة نحو الهند، الولايات المتحدة، والشرق الأوسط، ولكنها قررت الآن تغيير وجهتها بالكامل نحو ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح بفضل بنيته التحتية المتطورة وموقعه الاستراتيجي خياراً أكثر جاذبية في عالم الشحن البحري.
جاء القرار الذي أعلنت عنه الشركة نتيجة دراسات شاملة تهدف إلى تحسين كفاءة عملياتها وتقليص زمن الرحلات، وأشارت مايرسك في بيانها إلى أن التحول إلى ميناء طنجة المتوسط سيساهم في تقليص متوسط زمن الرحلة بين الهند والولايات المتحدة، عبر الشرق الأوسط، بمقدار خمسة أيام، و هذا التحسين الكبير في سرعة العمليات يعزز من تنافسية الشركة ويؤكد على أهمية الميناء المغربي كلاعب رئيسي في خارطة الشحن العالمية.
و شهد ميناء طنجة المتوسط، نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، و أضحى يمثل اليوم نموذجاً للموانئ الحديثة التي تجمع بين البنية التحتية المتقدمة والإدارة الفعالة، و بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، الذي يجعله نقطة وصل بين القارتين الأوروبية والإفريقية، ومياهه العميقة التي تسمح برسو السفن العملاقة، أصبح الميناء مركزاً حيوياً يربط بين أهم خطوط التجارة البحرية في العالم.
على الجانب الآخر، يمثل هذا التحول تحدياً كبيراً لميناء الجزيرة الخضراء، الذي كان يعتمد بشكل كبير على أنشطة شركة مايرسك، فقد كان الميناء الإسباني نقطة توقف رئيسية للعديد من خطوط الشحن الدولية، وتراجع نشاطه يعني خسارة كبيرة لإيراداته وفرص العمل المرتبطة بهذا القطاع.
القرار يسلط الضوء على الديناميكيات المتغيرة في عالم الشحن البحري، حيث تلعب الموانئ دوراً محورياً في تحديد مسارات التجارة العالمية، و ميناء طنجة المتوسط أصبح مثالاً يحتذى به في كيفية تحويل الموانئ إلى مراكز لوجستية متكاملة قادرة على استقطاب كبرى الشركات العالمية، مما يعزز من موقع المغرب كوجهة اقتصادية جاذبة للاستثمارات الدولية.
من الواضح أن هذا التحول لن يكون مجرد تغيير في وجهة السفن، بل هو انعكاس للتحولات الكبرى في ميزان القوة الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط.
الخطوة التي اتخذتها مايرسك تحمل رسائل واضحة حول أهمية الاستثمار في تطوير الموانئ ورفع كفاءتها، إذ أصبحت هذه العوامل تحدد اليوم ليس فقط حركة التجارة، بل أيضاً العلاقات الاقتصادية بين الدول.