في ظل المناقشات المستمرة حول واقع سوق المحروقات بالمغرب، يطل علينا مجلس المنافسة بتقرير ليُضيف فصلاً آخر من التناقضات التي تزداد وضوحًا مع كل تحليل.
فبقدر ما يتحدث التقرير عن مراقبة تعهدات الموزعين والمخالفات التي يتم تصالحهم بشأنها، نجد أن المفاجآت الحقيقية تكمن في غياب الجواب على السؤال الأساسي الذي ظل معلقًا لفترة طويلة: هل هناك فعلاً منافسة حقيقية في سوق المحروقات المغربية؟ هل الأسعار التي يتفق عليها اللاعبون الرئيسيون في السوق تعكس ديناميكيات المنافسة أم أنها مجرد تنسيق غير قانوني بين الشركات الكبرى؟
من جهته يقف الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ، في الصف المقابل لمواقف الحكومة ومجلس المنافسة على حد سواء، موجهًا أصابع الاتهام إلى اللاعبين الرئيسيين في السوق الذين استفادوا بشكل مبالغ فيه من تحرير الأسعار، فالتقارير التي عرضها مجلس المنافسة، رغم دقتها الحسابية في رصد المدخولات الضريبية وحجم الاستهلاك، لم تصل إلى الجواب الفعلي الذي ينتظره المواطن المغربي: لماذا لا تزال الأسعار تتسارع في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار المحروقات عالميًا؟ كيف يمكن تفسير هذا الارتفاع المستمر في أرباح الشركات التي تنشط في هذا القطاع؟
حسب اليماني، إذا كان الهدف من تحرير سوق المحروقات هو تعزيز المنافسة وتقليص الأسعار لصالح المستهلك، فقد جاءت النتائج عكس ذلك تمامًا، فالأرباح التي تحدث عنها المجلس، والتي ارتفعت من حوالي 600 درهم للطن إلى أكثر من 1500 درهم للطن في حالة الغازوال، تشير إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ.
هذا التوجه يعكس فشلًا واضحًا في تحقيق الهدف المرجو من التحرير، الذي كان يفترض أن يؤدي إلى تقليص الأسعار من خلال التنافس بين الفاعلين في السوق.
إلا أن ما هو أكثر إشكالية في هذا السياق هو عدم قدرة مجلس المنافسة على الإجابة عن السؤال الأهم: هل لا يزال الفاعلون في السوق يخالفون قانون المنافسة وحرية الأسعار؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما الذي يمنع الحكومة من اتخاذ إجراءات صارمة؟ ففي نهاية المطاف، إذا كانت الأسعار تزداد بشكل مريب بينما تتقارب وتتشابه بين مختلف الشركات في نفس اللحظة، فكيف يمكن تبرير ذلك سوى بممارسات تنسيق غير قانوني؟
من جانبه، طالب الحسين اليماني مجلس المنافسة بأداء دوره الحقيقي في السوق، وهو ليس إصدار تقارير شكلية أو تقديم نصائح فضفاضة، بل اتخاذ إجراءات حازمة للحد من هذه التجاوزات.
و في حالة استمرار المخالفات، لا بد من فرض عقوبات صارمة على الشركات المخالفة، بل وربما العودة إلى تنظيم أسعار المحروقات كما كان عليه الحال في الماضي، قبل التحرير الذي أثبت فشله على أرض الواقع.
أما إذا كانت أرباح الشركات تعتبر “مشروعة” وفقًا لتقييم المجلس، فإن المغاربة ليس أمامهم سوى استحضار صبرهم وفتح جيوبهم لسداد فواتير المحروقات التي تواصل الارتفاع بشكل غير مبرر، وفي هذا الصدد، لا يبدو أن هناك رؤية واضحة لتحسين الأوضاع في المستقبل القريب.
إذن، إذا كان المجلس، وفق رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، الحسين اليماني، يرى أن هذا الوضع طبيعي، فإن على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وتقوم بما هو مطلوب منها في هذه المرحلة، الأمر لا يتعلق فقط بالتحقيق في هذه المخالفات ولكن أيضًا بتغيير جذري في طريقة تعامل الدولة مع سوق المحروقات بشكل عام، حيث شدد اليماني على ضرورة اتخاذ الحكومة الإجراءات اللازمة المتمثلة في إلغاء تحرير الأسعار بشكل كامل، وإعادة إحياء قطاع تكرير النفط في المغرب من خلال استئناف الإنتاج في شركة سامير، فضلاً عن تقليص الضغط الضريبي على المحروقات.
إن، هذا السيناريو يتطلب تحركًا حكوميًا سريعًا وإستراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التحديات المحلية والعالمية في مجال الطاقة.
و من المهم أن تتبنى الحكومة مقاربة شاملة ومستدامة تضمن تلبية احتياجات المغاربة من الطاقة، دون الإضرار بقدرتهم الشرائية أو التنافسية لمقاولاتهم في السوق المحلي والدولي.
وفق اليماني إن القضية ليست مجرد موضوع تقارير تتحدث عن الأرباح والمنافسة؛ بل هي مسألة تتعلق بحياة المواطن المغربي وقدرته على التعايش مع تقلبات السوق العالمية، ولعل ما يطالب به الحسين اليماني يعكس الحاجة الملحة لتدخل الدولة بشكل حاسم لضبط هذا القطاع الحيوي ووقف تفشي الظواهر السلبية التي تؤثر في الاقتصاد الوطني.