نجحت مصالح الشرطة القضائية بمراكش في تفكيك عصابة إجرامية يشتبه في تورطها في الاتجار الدولي بالمخدرات، وذلك بعد مداهمة أحد المواقع المشبوهة بناءً على معطيات دقيقة وفرتها الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني.
وكانت الصدمة الكبرى في القضية حين تبين أن بين أفراد هذه العصابة شخصيات سياسية بارزة، من بينها رئيس سابق لإحدى الجماعات المحلية بإقليم شيشاوة، الذي شغل منصبه بين عامي 2015 و2021 تحت لواء حزب الأصالة والمعاصرة، ليترشح لاحقًا في الانتخابات التشريعية الأخيرة باسم حزب الاتحاد الاشتراكي، وقد ضمت العصابة أيضًا مستشارًا جماعيًا مازال يشغل منصبه الانتدابي حتى الآن.
هذه الواقعة تكشف حجم التداخل الخطير بين السياسة والأنشطة الإجرامية، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر بشأن توغل الفساد في المؤسسات السياسية وتأثير ذلك على الأمن والاستقرار، ومن خلال هذه القضية، يمكننا ملاحظة بوضوح كيف أصبح الفساد جريمة تتجاوز حدود الفساد الإداري، لتغذي الشبكات الإجرامية وتنشر الفوضى في المجتمع.
وفي سياق تعليقه على هذه القضية، أشار محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى أن هذه الحادثة ما هي إلا نموذج آخر للاختراق المتواصل للمجال السياسي من طرف مافيات المخدرات والمصالح المتشابكة مع شبكات تبييض الأموال.
بحسب الغلوسي، فإن ما يحدث اليوم ليس حادثًا معزولًا، بل يعكس ظاهرة أوسع تشكل تهديدًا على استقرار الدولة وسلامة مؤسساتها، فهذه الحادثة تذكرنا بالعديد من الملفات الأخرى، مثل ملف “إسكوبار الصحراء”، الذي لا يزال يثير الكثير من الجدل داخل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، ليعزز القناعة بأن الفساد أصبح بمثابة التربة الخصبة التي تنمو فيها العصابات الإجرامية العابرة للقارات.
الغـلوسي، في خلال موقفه، يؤكد أن الفساد ليس مجرد تجاوزات فردية، بل هو جريمة كبيرة تؤثر بشكل مباشر على الأمن الاجتماعي والاقتصادي، ويعبر عن قلقه من أن الفساد يسهم في تهديد استقرار البلاد، ويعزز البيئة المناسبة للانقسام والتفكك، كما يظهر في بعض الدول التي تعيش أزمات مزمنة بسبب الفساد والرشوة، مثل ليبيا والسودان.
وفي الوقت الذي تُظهر فيه أجهزة الأمن يقظة عالية وقدرة على التفكيك المسبق لهذه العصابات، يلفت الغلوسي إلى أن هذه الجهود تبقى غير كافية دون وجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد، فما نحتاجه اليوم، بحسب الغلوسي، هو عملية شاملة تتجاوز مجرد التفكيك الأمني، لتشمل إصلاحات قانونية ومؤسساتية تضمن محاسبة الفاسدين وتقطع الطريق أمامهم للتهرب من العقاب، فقد أصبح من الضروري توفير الشروط اللازمة لتخليق الحياة العامة وتحصين المؤسسات ضد كل محاولات اختراقها من طرف شبكات المال الفاسد.
ما يثير القلق في هذا السياق، كما يشير الغلوسي، هو محاولات لوبيات الفساد إعاقة الإصلاحات اللازمة، حيث أنها التيهي من تستفيد من تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، تسعى بكل جهدها إلى تأجيل أو تعطيل المبادرات الرامية إلى تحقيق إصلاح حقيقي في البلاد.
الغلوسي يحذر من خطر هذه اللوبيات، التي تمثل تقاطعًا بين السلطة والمال، وتستخدم هذه القوة المشتركة لعرقلة أي محاولة لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي.
ويرى الغلوسي أن مشروع المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية، التي تضع قيودًا على الجمعيات والمجتمع المدني في التبليغ عن جرائم المال العام، هي محاولة واضحة لإغلاق أي مسارات قد تهدد مصالح هذه الشبكات.
الغلوسي يوضح، أن الفساد في المغرب، هو معركة مستمرة، تتطلب يقظة جماعية على كافة الأصعدة، وما يجب على الجميع إدراكه هو أن الفساد لا يشكل تهديدًا فقط للمؤسسات، بل يعد عاملًا مساعدًا على تهديد الأمن القومي واستقرار المجتمع،و في هذا السياق، يدعو الغلوسي إلى ضرورة تعزيز الإرادة السياسية والاقتصادية لمكافحة هذه الظاهرة التي تظل أبرز عقبة أمام تطور البلاد في شتى المجالات.