الرئسيةثقافة وفنون

الدراما بين الإبداع والمسؤولية.. مسلسل “رحمة” في قلب جدل حقوقي حول صورة الإعاقة

أثار مسلسل “رحمة”، الذي يُعرض على قناة “أم بي سي 5” خلال شهر رمضان، جدلاً واسعاً بعد أولى حلقاته، ليكون بذلك محور صدام بين الدراما وقضايا حقوق الإنسان، تحديداً فيما يتعلق بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
هذا الجدل اندلع عقب استنكار “المنظمة المغربية لحقوق النساء في وضعيات إعاقة” لما اعتبرته إساءة وتمييزاً موجهاً ضد هذه الفئة، مشيرة إلى أن بعض العبارات التي وردت على لسان شخصية “داود”، التي يجسدها الممثل عبد الله ديدان، تعكس استمرار النظرة النمطية السلبية تجاه الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية.

فيما أعربت المنظمة الحقوقية عن رفضها القاطع للصورة التي قُدّمت في المسلسل، معتبرة أن التعبير عن الاستغراب من وضعية الطفل ذو الإعاقة يعزز من الأفكار الإقصائية، بدل أن يعمل على نشر قيم التضامن والاحترام.
ووفق بيانها، فإن الخطاب الذي تضمنه المشهد لا يتناقض فقط مع المبادئ الدستورية والتشريعات المغربية، بل أيضاً مع التزامات المملكة الدولية في مجال حماية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وشددت المنظمة على أن مثل هذه التصريحات تضر بكرامة الأشخاص في وضعيات إعاقة وتكرس تمييزاً خطيراً ضدهم، وهو ما اعتبرته أمراً غير مقبول في الأعمال الدرامية التي يُفترض أن تلعب دوراً في نشر الوعي وتعزيز قيم التعايش والمساواة.

وفي موقف حازم، حملت المنظمة الجهة المنتجة مسؤولية تمرير هذا النوع من الخطابات، معتبرة أن من واجب صناع الدراما إدراك التأثير الذي تتركه الأعمال التلفزيونية على الوعي المجتمعي، كما طالبت بضرورة تصحيح هذا الخطأ والتزام المنتجين بمبادئ حقوق الإنسان، إلى جانب حث المؤسسات الإعلامية والهيئات المختصة على ضمان تقديم صورة عادلة ومتوازنة عن الأشخاص في وضعية إعاقة، ودعت إلى ضرورة تبني مقاربة حقوقية شاملة داخل الإنتاجات الفنية، بما يضمن تمثيلاً يحترم كرامة هذه الفئة ويبتعد عن الصور النمطية السلبية التي تكرس التمييز.

ورغم حجم الجدل المثار، لم يصدر أي رد رسمي من قناة “أم بي سي 5” أو من القائمين على العمل، باستثناء تصريح لكاتبة السيناريو بشرى ملاك التي أوضحت في حديث لموقع إلكتروني أن المسلسل في جوهره يدافع عن حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ويهدف إلى تسليط الضوء على واقعهم ومعاناتهم بدل التقليل منهم. وأكدت أن القصة تقدم رؤية درامية تحاكي الواقع، من خلال شخصية “داود”، الأب الذي يتخلى عن ابنه بعد اكتشافه حالته الصحية، في صورة تسلط الضوء على المفارقات الاجتماعية المحيطة بموضوع الإعاقة.

المشاهد التي روجت للعمل كانت بالفعل قوية ومؤثرة، وجسد فيها الممثل عبد الله ديدان دوره ببراعة تفاعلت معها الجماهير.
ورغم ذلك، فإن جملة واحدة كانت كافية لتفجير النقاش حول المسلسل، حيث قال داود لزوجته رحمة باللهجة المغربية: “عائلتي لا يوجد فيه معاق”، هذه العبارة، رغم كونها جزءاً من السياق الدرامي، اعتُبرت مهينة وتمييزية، ما أدى إلى موجة انتقادات كبيرة في الأوساط الحقوقية والإعلامية، حيث رأى البعض أنها تعزز الفكر الإقصائي تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة بدلاً من تقديم معالجة درامية تحترم حقوقهم.

المسلسل الذي يُعرض يومياً خلال شهر رمضان على قناة “أم بي سي 5″، من تأليف بشرى ملاك وإخراج محمد علي المجبود، ويضم في بطولته مجموعة من الأسماء البارزة في الساحة الفنية المغربية، من بينهم منى فتو، عبد الله ديدان، كريمة غيث، إدريس شلوح، فرح الفاسي، ريم فكري، هيثم مفتاح، وسعاد العلوي، بينما قدمت شارة العمل أسماء لمنور ومهدي زين عبر أغنية “هذا قلبي”.

وتدور أحداث المسلسل حول شخصية “رحمة”، التي تجسدها منى فتو، وهي امرأة تعيش زواجاً صعباً مع زوج متسلط، ما يجعلها تواجه تحديات يومية معقدة.
يزداد الوضع سوءاً عندما تُرزق بطفلين، أحدهما يعاني من إعاقة جسدية دائمة، الأمر الذي يضعها أمام امتحان قاسٍ يزيد من معاناتها النفسية والاجتماعية، وفي ظل هذه الظروف، يتجه زوجها إلى إقامة علاقة مع امرأة أخرى، ما يضاعف من الأعباء والمحن التي تتحملها “رحمة”، وسط ضغوط الحياة ومحدودية الخيارات المتاحة أمامها.

من خلال هذه القصة، يطرح المسلسل قضايا اجتماعية حساسة، من بينها التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، وغياب الدعم الأسري، والضغوط التي تتعرض لها المرأة في مجتمع محافظ.
لكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو: هل نجح “رحمة” في معالجة هذه القضايا بوعي ومسؤولية، أم أن بعض مشاهده كرست الصور النمطية بدلاً من كسرها؟ الجدل المستمر حول المسلسل يعكس أهمية التناول الحذر لمواضيع ذات بعد حقوقي واجتماعي، إذ أن أي عمل فني يحمل بين طياته مسؤولية لا تتعلق فقط بسرد الأحداث، بل أيضاً بتأثيره على الرأي العام وتشكيل وعي المجتمع تجاه الفئات الهشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى