بين مطرقة الضرائب وسندان ضحالة العمومية.. هل حان الوقت لإعادة هيكلة السياسة الاجتماعية في المغرب؟
19/03/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
تواجه السياسة الاجتماعية في المغرب تحديات كبيرة، تتمثّل في كيفية تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين على الرغم من التمويل الحكومي الكبير الذي يُخصّص لهذه القطاعات.
أحد أوجه هذا التحدي يظهر بوضوح في قطاع الصحة، حيث يجد المواطنون أنفسهم مجبرين على دفع ثمن الخدمة مرتين.. مرة عند دفعِ المواطنين ضرائب تساهم في تمويل ميزانية وزارة الصحة، التي تُقدّر بحوالي 3.2 مليار دولار “هذا العام” مثلا، لكن على الرغم من هذه المساهمات المالية، يجد المواطن نفسه مضطراً لتكرار الدفع عندما يواجه مشاكل في الحصول على خدمة صحية في المستشفيات العامة، سواء من خلال التأخير في المواعيد أو نقص المعدات الطبية أو حتى الإضرابات المستمرة التي تُعيق سير العمل في القطاع الصحي العام.
وفي العديد من الحالات، يضطر المواطنون إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لتلقي العلاج، وهو ما يعني دفع تكاليف إضافية للخدمة نفسها، يعكس هذا الوضع فشل النظام في توفير خدمات حكومية فعّالة، ويؤدي إلى تحميل المواطنين عبئاً مزدوجاً.
تجدر الإشارة أن هذه المشكلة تتجاوز قطاع الصحة، بل تمتد إلى معظم الخدمات العامة في المغرب، حيث يعاني المواطنون من ضعف كبير في جودة الخدمات المقدمة من قبل القطاع العام، في ظل انتشار الفساد، وتعقيد الإجراءات البيروقراطية، وغياب الرقابة الفعّالة، يضاف إلى ذلك غياب ثقافة العمل المؤسسي، والميل إلى التراخي في أداء المهام داخل المؤسسات الحكومية، وبسبب هذه التحديات، أصبحت المؤسسات الحكومية غير قادرة على تقديم خدمات تتسم بالكفاءة، ما يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.
إن هذه العيوب تجعل المواطنين يدفعون بشكل غير مباشر ثمن خدمة دون أن يحصلوا على مستوى الخدمة الذي يتوقعونه.
إذن، ما هو الحل لهذه الإشكاليات المتراكمة؟ يبدو أن الحل يكمن في إعادة تصميم النظام الحالي بشكل يمكن من تحسين الكفاءة وجودة الخدمات الحكومية، و أحد الحلول الممكنة هو تشجيع المواطنين على الاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية عبر القطاع الخاص، مع وضع إطار تنظيمي يضمن تحديد الأسعار بشكل دقيق.
في مجال الصحة، على سبيل المثال، يمكن للمواطنين الحصول على خدمات صحية في مستشفيات خاصة مع تحديد الأسعار كما هو الحال في سوق الأدوية.
في المقابل، تتحمل وزارة الصحة جزءاً من تكلفة هذه الخدمات عبر زيادة الدعم المالي للتعويضات الصحية المقدمة من خلال الضمان الاجتماعي.
هذه التوجهات تتطلب أن يتم توجيه حوالي 75% من ميزانية وزارة الصحة البالغة 3.2 مليار دولار لرفع تعويضات الضمان الاجتماعي ودعم استثمارات القطاع الخاص في المجال الصحي، من خلال هذا الدعم، يمكن للقطاع الخاص أن يساهم في تحسين البنية التحتية الصحية وتوفير خدمات أسرع وأكثر كفاءة، وفي المقابل، يجب على القطاع الخاص أن يساهم في دفع ضرائب مخصصة لدعم تكاليف تدريب الأطباء والممرضين، وهو ما سيعزز من قدرة القطاع العام على الاستمرار في تأهيل كوادره الصحية دون الحاجة لتحمل العبء كاملاً.
نفس الفكرة يمكن تطبيقها في مجال التعليم. حيث يمكن توجيه جزء من ميزانية التعليم، التي تبلغ حوالي 7.5 مليار دولار، لدعم الأسر التي ترغب في إرسال أبنائها إلى المدارس الخاصة، وذلك من خلال تخصيص هذا الدعم لعدد محدد من الأطفال في كل أسرة، بهذه الطريقة، يمكن تحسين نوعية التعليم المقدم للطلاب، مع ضمان أن تكون التكلفة معقولة للأسر ذات الدخل المحدود، هذه الاستراتيجية لن تؤدي فقط إلى تحسين جودة التعليم، بل ستعزز أيضاً من قدرة القطاع الخاص على تحسين أدائه وتقديم خدمات تعليمية متميزة.
إن هذا النموذج يمكن أن يكون مربحاً لجميع الأطراف: المواطن الذي سيحصل على خدمات صحية وتعليمية أفضل وبأسعار معقولة، الحكومة التي ستخفف من عبء النظام البيروقراطي وتوجه مواردها بشكل أكثر فعالية، والقطاع الخاص الذي سيتحسن أداءه ويُحسن من جودة الخدمات التي يقدمها، مما سيسهم في تطوير السوق بشكل عام، كما أن هذا التحول سيقلل من التكرار في دفع التكاليف، حيث سيقتصر الدفع على مرة واحدة فقط، ويُستفاد من الدعم الحكومي بطريقة أكثر فاعلية.
عند النظر إلى الأرقام التي تخص ميزانية الصحة والتعليم في المغرب، والتي تقدر بحوالي 3.2 مليار دولار في قطاع الصحة و7.5 مليار دولار في قطاع التعليم، يظهر أن هناك إمكانيات كبيرة لتحسين النظام الحالي، كما أن إعادة توزيع هذه الميزانيات بشكل استراتيجي لدعم القطاع الخاص ورفع مستوى الجودة في الخدمات المقدمة سيكون له أثر إيجابي على المدى الطويل، ومن خلال تقليص البيروقراطية، وتوجيه المزيد من الموارد نحو تحسين الأداء بدلاً من تقديم الخدمة المباشرة، يمكن للمغرب أن يحقق نقلة نوعية في كيفية إدارة خدماته الاجتماعية.