الرئسيةسياسة

جنوب المملكة يغلي: قرى الصيادين بين صمت الوزارة وصرخات النواب

تحرير: جيهان مشكور

في مشهد عكس احتقانا متزايدا داخل قبة البرلمان، تحولت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب إلى ساحة مساءلة ساخنة لزكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، التي وجدت نفسها في قلب عاصفة من الانتقادات بسبب ما وصفه نواب الأمة بـ”تجاهل ممنهج” للأوضاع المقلقة التي تعيشها قرى الصيد البحري في الجنوب المغربي.

هذه المناطق التي طالما شكلت العمود الفقري للثروة السمكية الوطنية أصبحت اليوم مسرحا لمعاناة مستمرة تعكسها شكاوى الصيادين التقليديين وندرة أنواع سمكية كانت إلى وقت قريب حاضرة بقوة في السوق.

لم يقتصر النقاش البرلماني لم على المعارضة بل تجاوزها إلى صفوف الأغلبية، حيث عبر ممثلو الأقاليم الجنوبية، التي تحتضن أكبر القواعد البحرية وأكثرها نشاطا، عن غضبهم مما أسموه “تعاملا غير مسؤول” من طرف الوزارة، خاصة في ظل اختفاء عدد من الأصناف السمكية من الأسواق وارتفاع أسعار الأسماك بشكل غير مسبوق، وهي مؤشرات تنذر بتحول عميق في بنية القطاع البحري وتوزيعه الجغرافي.

من بين المتدخلين، برز النائب أحمد العالم، الذي لم يتردد في توجيه اتهامات مباشرة إلى كاتبة الدولة، معتبرا أن زيارتها الأخيرة إلى مدينة الداخلة لم تحمل أي بعد تواصلي مع المهنيين المحليين، بل وصفها بالزيارة “المنغلقة”، إذ أشار إلى أن المسؤولة الحكومية رفضت لقاء المنتخبين والصيادين وذهبت حد “إغلاق هاتفها”، ما وصفه بـ”السلوك المسيء للمؤسسات” والذي يعكس، حسب تعبيره، غياب الإرادة السياسية في الإصغاء لمشاكل الفاعلين الحقيقيين في الميدان.

فيما أخذت الانتقادات بعدا تقنيا أيضا، حيث دعا النائب امبارك حمية، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى إعادة النظر في السياسات المطبقة منذ سنوات طويلة، وعلى رأسها مخطط صيد الأخطبوط الذي ظل ثابتا لأزيد من عقدين، دون تقييم موضوعي لأثره الاقتصادي والاجتماعي على الصيادين. النائب ذاته لم يكتف بالتشخيص، بل اقترح فتح آفاق استثمارية جديدة في قطاع الصناعات الغذائية البحرية من أجل تثمين المنتوج المحلي ووضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال، كما شدد على ضرورة تخفيف بعض القيود المفروضة على الصيد التقليدي، محذرا من أن استمرار الوضع الحالي قد يدفع العديد من البحارة إلى مغادرة المهنة قسرا.

و في ردها على هذه المداخلات القوية، حاولت كاتبة الدولة التخفيف من حدة الانتقادات، مبرزة أن الوضع الحالي للثروة السمكية يخضع لتقلبات العرض والطلب، مشيرة إلى أن الأسماك السطحية، وعلى رأسها السردين والكابايلا، تظل هي المهيمنة على الإنتاج الوطني، إلا أن هذا التفسير لم يلق صدى لدى النواب الذين كانوا ينتظرون أجوبة أكثر عمقا، خاصة فيما يتعلق بمسألة الاحتكار وهيمنة بعض اللوبيات على تسويق المنتوج السمكي، إضافة إلى ضعف حضور السمك المحلي في الأسواق الوطنية، وهي نقاط لم تتلق ردا شافيا من المسؤولة الحكومية، ما اعتبره البعض تعبيرا عن غياب رؤية اجتماعية شاملة توازي الرؤية التقنية التي تبدو الوزارة أسيرة لها.

هكذا، وبالرغم من محورية قطاع الصيد البحري في النسيج الاقتصادي للمغرب، خاصة في الجنوب، يتضح من خلال هذا الجدل البرلماني أن المسافة لا تزال كبيرة بين السياسات المركزية وواقع المهنيين في الميدان، واقع لا يمكن معالجته فقط بأرقام تقنية أو تبريرات ظرفية، بل يتطلب مقاربة جديدة تضع الإنسان في قلب القرار وتعيد الاعتبار لكرامة الصياد وأدواره الحيوية في الحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى