الرئسيةرأي/ كرونيك

سردية “التأشيرة” التكتيكية…

بقلم مصطفى المنوزي

قال زعيم حزب المصباح خلال مؤتمره: لقد منعوا حماس من الفيزا لحضور المؤتمر، ولكن لن نقول لهم سوى أن غزة في قلوبنا وغزة في عقولنا ؛ وأيضا فلسطين .

ولتحليل الرسالة أقترح عليكم هذا التمرين التجريبي:

تحليل الكلمة التي ألقاها زعيم الحزب يمكن أن نقاربه عبر عدة مستويات:

1. على المستوى الخطابي:

الكلمة قصيرة تبدو ، ظاهريا ، وكأنها مرتجلة ، لكنها مرتبة جيدا وكأنها مكتوبة ومحفوظة ، لأنها مشحونة بالعاطفة، وبلاغيا تعتمد على أسلوب التضمين الرمزي: غزة = المقاومة، حماس = فلسطين.

هناك محاولة لتحويل للحدث العارض (منع الفيزا) إلى موقف مبدئي، وكأنه يقول: المنع لا يؤثر على مواقفنا ، طبعا الكلام موجه لمانعي حضور وفد حماس . ولذلك فاستعمال عبارات مثل “غزة في قلوبنا” و”غزة في عقولنا” يوحي بتأكيد الارتباط العاطفي والعقلي مع غزة وفلسطين، مما يمنح الخطاب طابعًا وجدانيًا تعبويًا .

2. على المستوى السياسي:

الرسالة تلمح إلى الانحياز لحركة حماس تحديدًا، وليس لفلسطين بشكل عام فقط. ورغم أنه لم يهاجم الجهة التي منعت الفيزا مباشرة، إلا أنه انتقدها ضمنيًا عبر الإشارة إلى أن المنع لا يغير شيئًا في موقف الحزب. فالعقل الحزبي المصباح استثمر الحدث لتحويله إلى رسالة تضامن داخلي مع جمهوره أكثر من كونه خطابًا موجهًا للخارج.

3. على مستوى السيميولوجي (الإشارة والعلامات):

فغزة هنا ليست مجرد مدينة، بل رمز للمقاومة والصمود. واستخدام “القلوب والعقول” يشير إلى شمولية الارتباط: ليس مجرد تعاطف عاطفي بل أيضًا قناعة فكرية/سياسية.

وكان من الضروري الإشارة فلسطين كحاضنة جغرافية وليس كقضية ، فقد ذكرت في النهاية لتوسيع المعنى: الخطاب لا ينحصر في غزة/حماس بل يشمل فلسطين الكبرى.

4. على المستوى المذهبي الاستراتيجي:

الكلمة تندرج ضمن بناء سردية الحزب باعتباره نصيرًا للقضية الفلسطينية ، وفق المقاربة المذهبية حتى لا نقول سردية دينية ؛
وقد تم تجاوز الفعل الإجرائي (منع الفيزا) إلى تثبيت الهوية السياسية للحزب أمام أنصاره والمتابعين.

وكخلاصة مركزة: الكلمة عبارة عن رد ذكي ومقتضب حوّل خسارة شكلية تكتيكية (عدم حضور حماس) إلى مكسب معنوي ورمزي / استراتيجي ، عبر بث رسالة مزدوجة: أولًا، التضامن اللامشروط مع غزة/فلسطين، وثانيًا، محاولة تأكيد استقلالية الموقف عن الضغوط الخارجية.

فهل فعلا سينجح الزعيم في إستعمال ورقة ” الفيزا ” أم أن فحوى خطاب حركة حماس المبتوث عن بعد سيؤثر على الوقع المنشود ؟

وفي إطار تعددية التواصل والتعامل نحيل إلى أن فلسطين الدولة (وليس فلسطين منظمة التحرير الفلسطينية ) تناولت الكلمة في شخص سفيرها بالرباط بين ظهراني المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في مؤتمرها الوطني؛ صحيح أنه لا تماثل بين المقاربات، رغم الطابع الحقوقي للسياق؛ ولكن لا مناص للرأي العام من بصمة التقاطع والإلتقائية، يلمسها، حول الحد الأدني الشعبي والوطني، فهل الأمر يتعلق فعلا بتنازع سرديات، أم أن العواقب محدودة في تأويل الرسالة كجزء من فرجة تعددية لضرورات دبلوماسية محضة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى