رأي/ كرونيك
دور الهيئات والمنظمات النسائية في النهوض بأوضاع المرأة بالمغرب
خاضت ولازالت تخوض الهيئات والمنظمات النسائية معارك نضالية وحقوقية من أجل تحسين أوضاع النساء ورفع كل أشكال التمييز والعنف ضدهن .
ففي سنة 1990، أطلق اتحاد العمل النسائي ( القطاع النسائي لحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي حينها) عريضة مليون توقيع للمطالبة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية بسبب بنودها المجحفة في حق النساء الزوجات أو المطلقات. وهي البنود التي تجرد الزوجة من إنسانيتها وحريتها وتحولها إلى جارية لا تملك من حريتها وقرارها شيئا . وكانت العريضة النسائية أولى المعارك النضالية التي تستهدف مباشرة الإطار القانوني الذي يكبّل النساء. شهورا قليلة شكّل الملك الراحل الحسن الثاني لجنة لدراسة مطالب الهيئات النسائية وتقديم مسودة تشمل التعديلات المقترحة. وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيه تعديل المدونة . ورغم محدودية التعديلات إلا أن المكسب الأهم كان هو رفع القداسة عن المدونة وجعلها، ككل القوانين، انتاجا بشريا قابلا للتعديل والتغيير وليست نصوصا مقدسة .
توالت نضالات الهيئات النسائية مدعومة بالأحزاب الديمقراطية ومستندة إلى المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب بغرض تعديل وتغيير التشريعات القانونية والدستورية حتى تتناسب والمواثيق الدولية . وتكللت هذه النضالات بإصدار حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، في مارس 1999، مشروع خطة وطنية لإدماج المرأة في التنمية يمس البنية القانونية للمدونة والأسس الفلسفية التي قامت عليها .
شكل هذا المشروع منعطفا تاريخيا في سبيل أنْسنَة الفقه واعتماد مبدأ المساواة قاعدة لصياغة بنود المدونة . ورغم المقاومة الشرسة للمشروع من قبل التيار المحافظ وتيار الإسلام السياسي، تمكنت الهيئات النسائية وعموم الصف الديمقراطي والحداثي من تعبئة غالبية الشعب لمناصرة المشروع .
ففي عام 2000، شكل الملك محمد السادس لجنة تنكب على دراسة المقترحات وصياغة مشروع مدونة يستجيب لتطلعات الشعب المغربي . وبالفعل خرج المشروع من حيز التجاذبات الإيديولوجية والحزبية إلى حيز التنفيذ حين اعتمد البرلمان الصيغة النهائية لمدونة الأسرة سنة 2004 . ولم تقتصر النضالات النسائية على نصوص مدونة الأحوال الشخصية، بل شملت النصوص القانونية والدستورية التي تكرس الحيف والإقصاء ضد النساء . ويأتي في هذا الإطار، النضال من أجل تخصيص نسبة محددة للنساء في البرلمان، وهو ما سُمي بالتمييز الإيجابي .
هكذا قرر الملك الراحل الحسن الثاني أن تخصص نسبة 10 في المائة من أعضاء البرلمان للنساء كخطوة أولى تلتها خطوات أخرى استجابة للمطالب النسائية حيث ارتفعت النسبة مع الملك محمد السادس إلى 30 في المائة بموجب القانون الانتخابي الذي يخصص لائحة وطنية للنساء يسمح لكل حزب بتقديم 30 مرشحة للانتخابات البرلمانية . هكذا انطلقت دينامية تعديل القوانين ومواءمتها مع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب . ففي 2008 أعلن المغرب عن رفع تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة
(سيداو).وهذه خطوة مهمة ستفتح آفاقا تشريعية وحقوقية سيترجمها دستور 2011 الذي أقر بمبدأي المساواة والمناصفة . وبناء عليه، واستجابة للمطالب النسائية والحقوقية، أدخل المغرب تعديلات مهمة على تشريعاته فأقر حق المرأة المغربية أن تمنح تلقائيا جنسيتها لأبنائها من زواج مختلط مثلها مثل الرجل المغربي .
كما أدخلت تعديلات على مدونة الأسرة تسمح لأبناء البنت المتوفاة أن يرثوا نصيبها من تركة جدهم بعد الوفاة أسوة بأبناء الابن بعد أن كان القانون يقصيهم .
كما رفع المغرب، في عام 2011، تحفظاته عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية .
واستجابة للمطالب النسائية بدسترة المساواة والمناصفة حتى تتواءم التشريعات المغربية مع المواثيق الدولية، أقر الدستور المغربي 2011) مبدأ المساواة في فصله 19، كما نص على إحداث الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز )، الفصل 164.
أما على المستوى القانون الجنائي، فإن الهيئات النسائية خاضت ولازالت تخوض نضالها من أجل رفع كل أشكال التمييز والعنف ضد المرأة، وتمكنت من فرض إلغاء الفقرة الثانية من المادة 475 من القانون الجنائي المغربي التي كانت توفر لمرتكب جريمة الاغتصاب فرصة الإفلات من عقوبة السجن إن هو قبل الزواج بضحيته.