
عاشت مدينة زاكورة، مساء يوم الخميس فاتح ماي، على وقع تساقطات مطرية استثنائية، حوّلت شوارعها وأحياءها إلى برك ضخمة ومستنقعات مائية في غضون دقائق معدودة.
مشهد غير مألوف في المدينة الجنوبية، التي وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع اختلالات مزمنة في البنية التحتية وغياب التدبير الاستباقي للمخاطر، في وقتٍ تواصل فيه الحكومة التركيز على تحضيرات “الواجهات” استعداداً لكأس العالم، تاركة مدناً وقرى بأكملها تتخبط في وحل التهميش.
بين سيول زاكورة وأضواء المونديال…المغرب غير النافع يصرخ في الطين
أربكت الأمطار الغزيرة التي هطلت بكثافة خلال فترة قصيرة حياة المواطنين وأثارت حالة من الذعر، خاصة في الأحياء الهامشية ذات الطابع الطيني، التي انهارت فيها جدران منازل وشقّت فيها الأرض بفعل ضغط المياه وتشبع التربة، وعلى الرغم من أن الحادث لم يخلف خسائر بشرية، فإن الأضرار المادية كانت فادحة، وعكست بشكل صارخ مدى هشاشة النسيج العمراني، وغياب البنية التحتية الكفيلة بتصريف مياه الأمطار أو احتواء مثل هذه الظواهر الجوية.
من جهتها، سارعت السلطات المحلية إلى إعلان حالة الطوارئ، وتفعيل خطة تدخل استعجالية بمشاركة مختلف المصالح الأمنية والمدنية، من أمن وطني ودرك ملكي وقوات مساعدة ووقاية مدنية، فضلاً عن تدخل الجماعات الترابية، من أجل احتواء الوضع وإنقاذ الأرواح والممتلكات، حيث شملت عمليات الإجلاء عدداً من الأسر التي أصبحت محاصَرة داخل منازلها، أو مهددة بانهيارات وشيكة، بينما تم إنقاذ آخرين علقوا وسط السيول في مشاهد درامية.
فيما بدت المدينة وكأنها تعيش مشهداً من فيلم الكوارث، حيث تعطلت حركة السير بشكل شبه كامل بسبب ارتفاع منسوب المياه، وانجرفت التربة في عدد من المناطق، بينما فشلت البنيات التحتية المحلية في الصمود أمام ضغط المياه، لتكشف عيوباً مزمنة في التخطيط المجالي والإدارة الترابية، و رغم المحاولات الطارئة للتدخل، فإن الواقع أظهر بوضوح أن التدبير الوقائي للأزمات الطبيعية لا يزال نقطة ضعف كبيرة في السياسات العمومية، خاصة في المناطق الهشة والمهمشة.
وفي ظل توقعات باستمرار التساقطات، جرى تفعيل لجان اليقظة على مستوى الإقليم، ورفع درجة التأهب في صفوف المصالح المعنية، كما جرى تخصيص موارد لوجستية إضافية لمواجهة أي تطورات محتملة، إلا أن هذه الإجراءات، على أهميتها، تظل محدودة الأثر حين تأتي كرد فعل على واقع متهالك، عوض أن تكون جزءاً من رؤية استباقية شاملة تقوم على العدالة المجالية وضمان الحق في البنية التحتية الأساسية لجميع المواطنين.
ما وقع نتاج مباشر لسنوات من الإقصاء التنموي
ما حدث في زاكورة ليس مجرد حادث عرضي مرتبط بعوامل مناخية، بل هو نتاج مباشر لسنوات من الإقصاء التنموي وضعف الاستثمارات العمومية في البنيات الأساسية، في وقت تُوجه فيه الميزانيات الضخمة إلى مشاريع رمزية تخدم الصورة الاعلامية للبلاد أكثر مما تخدم حاجات المواطنين اليومية، ومع اقتراب التظاهرات الرياضية الكبرى، يبدو أن الحكومة عازمة على تلميع الواجهات بينما تتآكل الأسس، حرفياً، في مدن كزاكورة.
المطلوب اليوم ليس فقط تعبئة الآليات اللوجستية عند وقوع الكارثة، بل إعادة النظر في أولويات السياسات العمومية، وتحقيق عدالة مجالية حقيقية تضع المواطن، في كل جهات المغرب، في قلب الاهتمام، لا في هامش الواجهة.