في زمن اغتيال الصحافيين بالجملة بإسرائيل..الصحافة ستظل سلاح الكلمة والصورة في وجه الاستبداد والظلم
03/05/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
في الثالث من مايو، العالم يتوقف لحظة ليتأمل مرآته: مرآة الصحافة، وفي خضم هذا التأمل، لا نحتفي بترف الكتابة، بل نبحث عن صوت الحقيقة وسط ضجيج التشويش، ونُحيي ذكرى الكلمة التي كانت يومًا طوق نجاة للوعي الإنساني، وها هي اليوم تحاول أن تبقى حيّة في زمن تتقاذفها فيه مصالح السياسة ومطرقة الاقتصاد، وحتى الرصاص والإبادة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لم تكن الصحافة في جوهرها مجرد مهنة، بل كانت ضميرًا جمعيًّا، وسلاحًا ناعمًا في وجه الاستبداد والظلم والتعتيم، هي فن الإصغاء للناس حين يصمت الجميع، وقدرة على تحويل المعاناة الفردية إلى قضية عامة، لكنها اليوم، على المستوى العالمي والوطني، تخوض معركة وجود حقيقية، فما بين الرقابة الناعمة والتوجيه الخفي، باتت الكلمة الصادقة تحاصر من كل اتجاه، ويُخنق صوت الصحفي النزيه باسم “الاستقرار”، أو يُشترى باسم “التمويل”.
حيث تشهد الصحافة في العديد من دول العالم، انزلاقًا نحو التواطؤ أو التكميم، فلم تعد الرقابة تأخذ الشكل الكلاسيكي بالمنع والحظر المباشر، بل أصبحت أكثر مكرا: عبر التحكم في مصادر الإشهار، أو من خلال تغول لوبيات المال التي تفرض أولوياتها على خط التحرير، أو بتقنين الوصول إلى المعلومة عبر مساطر بيروقراطية معقدة.
وفي الأنظمة التي تدّعي احترام حرية التعبير، يُمارَس الضغط عبر الابتزاز الاقتصادي، أو تصفية المؤسسات الإعلامية المستقلة بحجج قانونية.
شهادات من الواقع
الصحافي المصري هشام جعفر
في هذا السياق، يبرز العديد من الصحافيين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب مواقفهم الجادة والمستقلة، من بينهم الصحافي المصري هشام جعفر، الذي قضى سنوات في السجون بسبب تحقيقات جريئة حول الفساد، أو الصحفية السعودية لجين الهذلول التي تعرضت للاعتقال بسبب نشاطاتها الحقوقية، أو حتى الصحافيين المغاربة، الذي واجهو التهم الغريبة و السجن بسبب كتاباتهم الصريحة حول السلطة، هؤلاء الصحافيون لا يكتبون لأنهم يسعون وراء الأضواء، بل لأنهم يؤمنون بقوة الكلمة التي تُستعمل كأداة تغيير، وبقيمة الصحافة التي لا يمكن اختصارها في تحقيق المصالح الخاصة.
في السياق الوطني، فإن الصحافي المغربي، رغم مكابداته المستمرة، ما يزال يراهن على الكلمة كسلاح وجود، لكنه يعيش تناقضًا مريرًا: بين خطاب رسمي يحتفي بحرية الصحافة كركيزة للديمقراطية، و بين واقع ميداني يُطبّق فيه القانون بانتقائية، وتُخضع فيه الصحف لتوجيه غير مباشر عبر علاقات التمويل أو التضييق على الوصول إلى مصادر الخبر، ومع بروز وسائل الإعلام البديلة، أُعيد تشكيل المشهد الصحفي، لكنه في أحيان كثيرة انزلق نحو الفوضى أو التوظيف السياسي أو الشخصي، أو انزلق عن المهنية، وبات مصدر مس بحريات الأفراد بدل أن يكون مدافعا عنها، مما زاد من تعقيد مهمة الصحافي الجاد الذي يقاوم وسط هذا الركام.
المقاومة على الجبهة الصحفية
تحدث الصحافي المغربي المستقل مصطفى لخماري عن معاناته في العمل الصحفي الحر قائلاً: “عندما تحاول أن تكون جادًا في توصيل الحقيقة، تجد نفسك في مواجهة مع الكثير من القوى، من المال السياسي إلى الابتزاز الاقتصادي، تجد أن الصحافة أصبحت سلعة موجهة، وتكاد تخلو من الأصوات الحرة.” لخماري يضيف: “لكن هذا لا يعني أننا نستسلم، لأننا نعلم أن الكلمة الحقيقية قادرة على إحداث تغيير، رغم الضغوط.”
الكلمة التي كانت تُكتَب لتلهم، تُكتَب اليوم غالبًا لتُرَاقَب أو تُحاكَم أو تُشترى.
لم تعد الحقيقة كافية لنيل الثقة، بل أصبح السؤال الأهم هو: من يقول الحقيقة؟ ولماذا؟ ومن يُموّل؟ وسط هذا المناخ، يبرز تحدي استعادة ثقة الجمهور، عبر إعلام مستقل، غير خاضع لابتزاز المال أو سياسة الترهيب الناعم، وهذا لن يتم إلا بإرادة سياسية حقيقية، وتشريعات ضامنة، وأساسًا بضمير مهني حيّ لا يساوم.
الصحافة الحرة: ضرورة وجودية
الصحافة الحرة اليوم ليست امتيازًا، بل ضرورة وجودية. في زمن تتزايد فيه الشكوك، وتنتشر الأخبار الزائفة، ويُعاد تشكيل وعي الناس عبر خوارزميات ذكية تُرسّخ الانقسام، تظل الكلمة النزيهة الجسر الأخير نحو التوازن، والبوصلة التي قد تمنع المجتمعات من الانزلاق نحو التيه، فليس المطلوب صحافة محايدة في وجه الظلم، ولا صحافيًا يقف على المسافة نفسها بين الضحية والجلاد، بل المطلوب اليوم صحافة تقف مع القيم الإنسانية، وتدافع عن المصلحة العامة، وتطرح الأسئلة المؤجلة، دون خوف أو مجاملة. وما أكثر تلك الأسئلة في واقعنا المعاصر: من يقرر ما يُقال وما يُسكت عنه؟ ولمصلحة من يُعاد تشكيل الرأي العام؟ وكيف يمكن حماية الصحافي من أن يتحول إلى مجرد أداة دعائية في يد الأقوى؟
الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة اليونسكو، لا يجب أن يكون طقسًا خطابيا أو مناسبة احتفالية سطحية، بل لحظة مساءلة: لمن نكتب؟ وماذا نجرؤ على أن نقول؟ وأين نقف حين يُطلب منا الاختيار بين الضمير والمصالح؟ فالكلمة التي تنير ليست تلك التي تُهلّل، بل تلك التي تُوقظ، حتى ولو أقلقت الراحة المؤقتة ويندهوك .
لا يمكن والمناسبة شرط، أن لا نتحدث في اليوم العالمي لحرية الصحافة، عن الإبادة التي تخوضها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافة في فلسطين المحتلة، عصام عبدالله، عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف 3 مايو من كل عام قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: إن إسرائيل قتلت منذ الإبادة على غزة 212 صحافيا وأصابت 409 واعتقلت 48 آخرين، و 143 مؤسسة إعلامية تعرّضت للاستهداف خلال الإبادة المستمرة.
ارتكبت إسرائيل في ساعاتِ الصباح الأولى من يوم 10 أكتوبر مجزرة في حقِّ عددٍ من الصحافيين حينما أغارت بمقاتلاتها الحربيّة على برج حجي الذي يضمُّ مكاتب عددٍ من الصحافيين الفلسطينيين المعروفين بنقلِ الأحداث من هناك بحيث يحرصون على توثيقِ الذي يجري في قطاع غزة من قصفٍ إسرائيلي وغارات مكثفة وما يُقابلها من ردود فصائل المقاومة الفلسطينية، كما يحرصون على نقلِ الوضع الإنساني والاجتماعي من داخل القطاع. تسبَّب القصفُ الإسرائيلي في مقتلِ ما لا يقلُّ عن 3 صحافيين فلسطينيين وجرح آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وعلى غرار نحو 2.4 مليون فلسطيني في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ 18 عاما، يواجه الصحافيون بغزة وعائلاتهم مخاطر كبيرة بدءا من الاستهداف والقتل مرورا بالاعتقال وصولا للمعاناة اليومية من حصار وتجويع وتعطيش وصعوبة في الوصول للحق في العلاج.
إن عدد الصحافيين الذين قتلوا منذ بدء الإبادة الإسرائيلي على غزة بلغ 212 صحافيًا، بينهم مراسلون ومصورون ومحررون يعملون في وسائل إعلام محلية ودولية، فيما أصيب 409 آخرون، بعضهم بإعاقات دائمة، إضافة إلى اعتقال 48 صحافيا، تعرّض عدد منهم للتعذيب والمعاملة المهينة، في انتهاك للقانون الدولي.