
مرة أخرى، تجد منطقة زاكورة نفسها في صلب أزمة فلاحية حادة، بعدما ضربت عاصفة رعدية قوية مصحوبة بحبات البرد (التبروري) ضيعات البطيخ الأحمر، مدمرة أزيد من 40 في المائة من المحاصيل، معظمها كان في مراحله الأخيرة من النضج ويستعد للدخول إلى الأسواق الوطنية والدولية.
جاءت هذه الكارثة الطبيعية في لحظة حاسمة من الموسم الفلاحي، فأجهزت على آمال فلاحي المنطقة الذين كانوا يعوّلون على هذه الفترة لتأمين حد أدنى من المداخيل بعد شهور طويلة من الجهد والاستثمار.
لم تكن الخسائر عادية، إذ إن الضرر الأكبر طال الثمار الممتازة التي كانت موجهة نحو التصدير أو التسويق في المدن الكبرى، وهو ما أكد عليه عدد من الفلاحين في تصريحات لـ”دابا بريس”، من بينهم محمد أوعيسى، الذي اعتبر أن “العاصفة الأخيرة لا تهدد فقط مردودية الموسم، بل تضرب في العمق قدرة الفلاحين على البقاء”.
في المقابل، قدّر فلاحون آخرون، كطيب بن علي، أن نسبة الخسائر تتجاوز 70 في المائة في بعض الضيعات، مشددين على أن الثمار المتضررة كانت الأكثر جودة والأقرب إلى الجني.
الغائب الدائم هو الحكومة
و رغم فداحة الوضع، يبقى الغائب الأبرز عن هذا المشهد هو تدخل الدولة في شخص الحكومة، لا مساعدات عاجلة، لا آليات لحصر الأضرار، ولا أي تحرك ملموس من طرف وزارة الفلاحة أو السلطات الترابية لطمأنة الساكنة أو مواكبة الفلاحين المتضررين. ما يعكس، من جديد، ما تصفه ساكنة زاكورة بـ”التهميش المؤسساتي البنيوي” الذي لا يظهر فقط في لحظات الأزمات، بل يتجلى أيضا في غياب استراتيجيات وقائية، ودعم تأميني يواكب التغيرات المناخية التي صارت سمة متكررة في المنطقة،حيث لا يقتصر المشهد على كارثة طبيعية عابرة، بل يكشف عن عمق أزمة تدبير السياسات الفلاحية في جهة تعاني أصلا من اختلالات بيئية حادة.
فزاكورة، وهي منطقة صحراوية بطبيعتها، تعرف شحا شديدا في الموارد المائية، وتسجل سنويا نسبا متدنية جدا من التساقطات المطرية، و رغم هذه المعطيات البيئية الواضحة، صارت المنطقة في العقود الأخيرة مسرحا لانتشار زراعة البطيخ الأحمر، وهي زراعة تعتمد بشكل أساسي على الري، وتستهلك كميات ضخمة من المياه الجوفية، دون أن تراعي تداعيات هذا الاستنزاف على المدى المتوسط والبعيد.
إن القرارات الفلاحة الارتجالية ، المرتبكة والمرتبطة بمنطق الربح السريع فُرضت على المنطقة، دون اعتبار لحاجيات الساكنة ولا لطبيعة المجال، فلا مشاريع لتحلية المياه، ولا تقنيات ري حديثة تم تعميمها، ولا تخطيط بيئي يأخذ بعين الاعتبار ندرة الموارد، وها هي النتيجة: فلاحة غير مستدامة، استنزاف للفرشة المائية، وغياب بدائل اقتصادية قادرة على خلق التوازن بين التنمية وحماية البيئة.
هشاشة النموذج الفلاحي
إن الاحتباس الحراري، الذي يعتبر عاملاً محورياً في اختلال التوازن المناخي بالمغرب، يضرب بقوة في مناطق مثل زاكورة، التي تُعد من أكثر المناطق تأثراً بارتفاع درجات الحرارة وتراجع التساقطات. ومع كل موجة حر أو عاصفة برد، تظهر هشاشة هذا النموذج الفلاحي المفروض، وتبرز معاناة الساكنة التي تتحمل نتائج اختيارات لم تشارك يوماً في صياغتها.
إن زاكورة لا تحتاج إلى زيارات رسمية ظرفية بعد الكوارث، بل إلى تغيير جذري في التعامل مع مجالها، وفهم خصوصياتها البيئية والاجتماعية، وصياغة نموذج تنموي جديد يُعطي للفلاح الصغير مكانة أساسية، ويُعيد الاعتبار للموارد الطبيعية الهشة التي لم تعد قادرة على تحمل عبء الزراعات التصديرية.
منطقة تحت رحمة غضبة الطبيعة
وفي غياب ذلك، ستظل المنطقة في كل غضبة من غضبات الطبيعة تحت رحمة الأضرار، وتحت وطأة التهميش المزمن الذي يزداد عمقاً كل موسم.