الرئسيةرأي/ كرونيك

نعم… الجزائر مريضة بإعلامها وبجامعتها

بقلم الكاتب الجزائري: ناصر حاجي
بقلم الكاتب الجزائري: ناصر حاجي

جرت العادة أن تتحجج الدول بحرية الصحافة لديها عندما تحصل تشنجات دبلوماسية بينها وبين دولة أخرى، نتيجة تصريحات في إعلامها ضد دولة أخرى.

عبر هذه الجملة المشهورة الإعلام حر في بلدنا، ولا يعكس بالضرورة الموقف الرسمي للدولة. وقد تضيف أن حق الرد مكفول، إلا في الجزائر التي تقول علنا وأمام الملأ أن الدولة معنية بشكل قد يكون مباشر بتصريحات أساتذتها ومؤرخيها ليس داخل مؤسساتها الإعلامية، بل خارجها كذلك، كما حصل مع تصريحات الدكتور بلغيث الأخيرة لقناة «سكاي نيوز» الإماراتية.

كما هي معنية بالطبع بتصريحات وسائل إعلامها مهما كانت سخيفة وغير مبررة، وهي تكاد تتسبب في قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع الكثير من الدول، كما حصل الأسبوع الماضي مع قناة «الشروق نيوز»، بعد استعمال أوصاف عنصرية وهي تتكلم عن مواطنين افارقة، تمت معاقبتها بالغلق لمدة عشرة أيام. لا أعتقد أنها ستكون كافية لإعادة هذه القناة إلى سلوكات أكثر حرفية. بعد استشراء الكثير من الأمراض داخل الفضاء الإعلامي الوطني.

بالطبع هذا ليس دفاعا عن سياسة دولة الإمارات الخارجية وعدائها للجزائر الظاهر منذ مدة ليست بالقصيرة، وليست تأييدا للسياسة الداخلية للإمارات ومواقفها في مجال حرية التعبير والعداء السافر للقضية الفلسطينية الذي تتبناه هذه الدولة كعقيدة وليس موقفا سياسيا وهي تدخل في لعبة دولية تتجاوز حجمها الفعلي.

كما انها ليست دفاعا عن تصريحات هذا المؤرخ الذي تطاول أكثر من مرة – ليس الوحيد بالمناسبة – على ما يجمع الجزائريين من أواصر وطنية وهو يتكلم عن المطلب الامازيغي في الجزائر، الذي ادعى فيها أنه مشروع أيديولوجي فرنسي صهيوني بامتياز.

موقف يشترك فيه حتى إن لم يكن بالحدة نفسها مع مجموعة ليست بالقليلة من المؤرخين وأساتذة الجامعات والصحافيين الجزائريين – يشتغلون بمنطق أقرب لجحافل الذباب الإلكتروني – من الذين لم يستسيغوا بعد التطور الذي عرفته الجزائر في مجال صيانة وحدتها، بعد الاعتراف بالبعد الأمازيغي في تشكيل شخصيتها الوطنية التاريخية، المسند بقاعدة ديموغرافية حاضرة بقوة تقول لمن ما زال يشكك في الوحدة الوطنية، إن الجزائر – مثل دول المنطقة المغاربية الأخرى – لا تبني وحدتها فقط على اعتبارات إرادوية سياسية، بل على أسس أمتن تحيل إلى العمق الديموغرافي المهم، الذي يتجه بشكل لا يمكن للعين أن تتغافل عنه نحو تجانس أكبر لإنجاز مشروع بناء أمة واحدة وموحدة عاداه لعقود الكثير من النخب السياسية والفكرية الرسمية، قبل أن يفرض عليها التطور التاريخي إعادة النظر في مواقفها، والقبول بالأمر الواقع.

صونا لهذه الوحدة الوطنية، يقول منطق تطور الأمور، إن العداوة لها تزداد ضراوة كلما نجحت في التقدم إلى الامام حتى لو أدى ذلك إلى ما يسميه عالم الديموغرافيا الفرنسي أمنويل تود، تحفيز أو تهييج العمق الأنثروبولوجي للمجتمع عندما يتجه أكثر نحو الهدوء والسكينة.

أزمة عميقة يعانيها الإعلام الوطني الذي فقد الجزء الأكبر من حقه في حرية التعبير، جعلت الجزائري يتوجه نحو الوسيلة الإعلامية الأجنبية، للتعبير عن رأيه والحديث في قضايا بلده التي يمنع من الخوض فيها داخله

تطور إيجابي لم يحصل في الجزائر فقط، بل في كل المجال الجغرافي المغاربي الذي يتجه إلى الاعتراف والقبول بهذا المكون التاريخي الأمازيغي بسرعات مختلفة، وفي ظروف متشابهة من سيوة المصرية إلى جزر الكناري الإسبانية.

ما أريد أن أركز عليه والجزائر تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة اليونسكو ليس هذا، بل يتعلق الأمر بالأزمة العميقة المتعددة الأوجه التي يعانيها الإعلام الوطني الذي فقد الجزء الأكبر من حقه في حرية التعبير، جعلت الجزائري يتوجه إلى الخارج نحو الوسيلة الإعلامية الأجنبية، للتعبير عن رأيه والحديث في قضايا بلده التي يمنع من الخوض فيها داخله.. إعلام يمكن أن يتسبب في هشاشة أكبر للبلد على المستوى الدولي، إذا استمر على نمط التسيير نفسه وبمنطق خنق الحريات نفسه، الذي يميزه منذ سنوات، زادت بشكل سافر في السنوات الأخيرة، إعلام سيستمر في إنتاج الأخطاء والهفوات نفسها التي يمكن أن تؤدي إلى عزل الجزائر دوليا لأسباب موضوعية تتعلق بإمكانياته الضعيفة وتسييره غير المهني وقلة تجربة رجاله ونسائه، وعدم انفتاحه على العالم وانعدام الحرية داخله التي تجعله مرتعا للمتسلقين والانتهازيين من كل نوع، وغيرها من الأسباب التي يعيشها، الذي نسميه قطاعا في الجزائر، وليس سلطة مستقلة لا تملك في الوقت الحالي شروط إنجاز مهامها، بهذا الصحافي المغلوب على أمره، ضعيف الأجر، منعدم الإمكانيات وهو يمارس ما تحول لديه إلى شبه مهنة، في بلد منح لمواطنيه مواقع مهنية ليسوا أهلا لها في الغالب الأعم، كما يظهر في الإعلام الذي يتحول فيه الطالب المبتدأ بعد تجربة شهور قليلة إلى رئيس تحرير على رأس مؤسسة إعلامية وطنية، وهو لا يعرف كيف يكتب جملة مفيدة، بعد تخرجه من جامعة تعيش الوضع نفسه، تحولت وظيفتها الأساسية إلى منح شهادات وألقاب علمية لروادها، الذين حصلوا داخلها على أعلى المراتب المهنية ـ الكثير لم يعد يقبل بصفة دكتور وبروفيسور القليلة عليه، بل يطالب بصفة أعلى على غرار الاستاذ المميز ـ أظن هذا هو اسمها – دون كتابة مقالة علمية واحدة. تماما كما هو حاصل داخل الجيوش الانقلابية الافريقية، التي يتواطأ فيها رفاق الدفعة نفسها من الضباط الصغار على تعليق النياشين لبعضهم بعضا.

وضع حول الجزائر بمؤسساتها الجامعية والإعلامية – يمكن التعميم إلى مؤسسات في قطاعات أخرى -الى مدرسة ابتدائية كبيرة، أو مدرسة للتكوين المهني تمنح الكثير من الفرص لأبنائها للتعلم والخطأ، دون نية في التطور للخروج من مرحلة التلميذ الأبدي القاصر، إلى مرحلة المواطن المسؤول الذي يعرف ما يتفوه به وما يقوله، يجعله أقرب للإنسان الأحمق حتى إن تجاوز الستين سنة من عمره وقارب مرحلة الخروج إلى التقاعد، كما هو حاصل هذه الأيام، ونحن نشاهد هذه العينات من الجزائريين وهم يتحدثون في وسائل الإعلام الوطنية والدولية، حول قضايا مصيرية كان يفترض أن يكونوا وهم يتحدثون فيها أكثر تعقلا ومراعاة لمصالح البلد الاستراتيجية، بعيدا عن منطق الزجر والسجن الذي لن يكون الحل الأمثل في مثل هذه القضايا، التي قد يتطلب حلها وقتا أطول وعملا بيداغوجيا بيننا كجزائريين يعتمد على قوة الإقناع والنقاش الحر داخل وسائل إعلام تتمتع بالحد المقبول من الحرية، وداخل جامعات أُبعدت تماما عن دورها الفكري كفضاء للنقاش العلمي الرصين، ندفع ثمنه كما تبينه الصراعات الانتحارية التي نعيشها يوميا.. حتى لا يتحول هؤلاء الحمقى والمتهورين – وما أكثرهم حين تعدهم – إلى ضحايا كما حصل مع بوعلام صنصال، الذي يبدو أن أصدقاءه الفرنسيين بدأوا نسيانه والتخلي عنه. بعد الانتهاء من استعماله كفخ للسلطات الجزائرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى