الرئسيةرأي/ كرونيكفكر .. تنوير

في مرمى التكفير..بين قداسة الإيمان وحرية التعبير

يكفرون كل فكر مستنير، ويُشهِرون سيوف الاتهام في وجه كل محاولة للتفكير خارج القطيع، ومع ذلك، نستمر في المحاولة.

بقلم: بثينة المكودي

القصة  ليست مجرد واقعة معزولة، بل مرآة لواقع ممتد، تعود فصولها إلى سنة 2014، لكن مازالنا نعيش وقائعها اليوم، كلما جرب أحدهم كسر القوالب الجامدة، والمضي خطوة نحو أفق الحداثة.

بالأمس، صادفت القصة على جدار أحد الأصدقاء في أحد مواقع التواصل الاجتماعي ، وكأنها ترفض أن لا تدفن، حيث ما نزال في الدول العربية والافريقية أوما يطلق عليها الغرب اسم دول العالم الثالث ، نعيش أطرافها مع كل انبعاث جديد لرغبة في الانعتاق من قيود التقليدانية، في كل إصرار على خطوة نحو شيء من الحداثة، ،نواجه الجدران التي تبنيها العقول المغلقة.

ولم اجد قصة الشاعرة ميسون بعيدة عن  كل من  يفكرن بصوت مرتفع،أو عن ما شهدته المقاومة لمشروع قانون مدونة الاسرة بالمغرب، والذي طال انتظاره لتُمنح فتات حقوق مدنية للنساء، أو تكفير كل من تطرق من خلاله لمواضيع الارث واتباث النسب، وتقنين التعدد والى اخره…وهو نفسه ما يتعرض اليه من يدعوا للتعايش، وحرية الاعتقاد، والعلاقات الرضائية ولو بشكل محتشم.

اندلعت موجة من الانتقادات والتكفير ضد الشاعرة الكويتيةhttp://الكويت ميسون السويدان بعد نشرها تغريدة على منصة “تويتر” خلال سنة 2014 قالت فيها:

تهت في شوارع مكة ابحث عن الله… ولم اجده في الحرم.
هذه العبارة، التي جاءت في سياق تأملي وأدبي، كانت كافية لفتح أبواب الهجوم على مصراعيه، حيث تعرضت السويدان خلال تلك السنة  لحملة تكفير من قبل بعض الدعاة والمغردين، واتهمت بـ”الالحاد” و”الاساءة للمقدسات”.

ميسون لم تُعلن كفرا، بل أعلنت بحثا، وشتان بين من يُلقَّن ومن يبحث، ما قالته هذه الشاعرة لم يكن أكثر من وصف لتجربة روحانية، ذاتية، معقدة،لكنها صادقة.

كانت تقول، ببساطة: “لم أجد الله في الضجيج، وجدته في داخلي.” فهل نُعدم الإنسان لأنه اختار أن يهمس لله بدلًا من أن يصيح به في الجموع.

وأوضحت ميسون  قائلة: لو اني بحثت عن الله في مكة لكفرت من زمان… الحمد لله اني لم ابحث عنه الا بقلبي.

إن هذه الحملة وإن طالها النسيان، تستحق فتح النقاش حول حرية التعبير الادبي والديني، خاصة في المجتمعات العربية والافريقية المحافظة، التي ما زالت تحاكم النوايا وتمارس التضييق على التأملات الشخصية خاصة حين تتقاطع مع الدين، والجنس والسياسة.

الابداع والإسلام : صراع مفتعل؟

من منظور ادبي، تمثل تجربة ميسون السويدان مثالا صارخا على التوتر القائم بين الابداع والقراءات السلفية المتشددة للدين، فالشاعرة، التي تنتمي الى مدرسة صوفية تمزج بين الشعر والتأملات الفلسفية، لا ترى تعارضا بين الايمان والسؤال، او بين حب الله والبحث عنه، لكنها اصطدمت بجدار من الرقابة المجتمعية والوصاية الدينية.

مؤمنة ولو كره المكفرون

قضية ميسون السويدان لا تنحصر في خلاف لغوي او فقهي، بل تفتح اسئلة اعمق حول حدود الحرية الادبية، وملكية الدين، وحق الانسان في التعبير عن تجربته الروحية الفردية دون خوف من التكفير او التحريض.

سبق الحلاج ان قال “أنا من أهوى”، وقال ابن عربيhttp://أحد أشهر المتصوفين لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين «بالشيخ الأكبر»، “أدين بدين الحب”.

لكن يبدو أن “دين الحب” لم يعد مرحبا به،الحب أصبح تهمة، والتأمل صار جريمة.

ما جرى يعيدنا إلى سؤال جوهري، هل نملك الحق في أن نبحث عن الله، بطريقتنا؟ أم علينا فقط أن نردد ما يُلقن لنا؟

وهل دِينٌ لا يسعُ التعدد في طرق الإيمان، هو دينٌ حي؟ أم مجرد نظام رقابي آخر، يتخفى في ثياب المقدس؟

الإلٓه لا يُختصر في مكان، ولا يحتكره مذهب، ولا يُختزل في لسان واحد، الرب لا يسكن الحجر بل يُقيم في القلوب التي لا تسجد إلا له.

من كفر ميسون ، كان بالأمس يُكفّر الحلاج، وقبله سقراط، وبعده نساء ورجال فقط حاولوا انتزاع بعض  الحقوق الانسانية المحتشمة ، وكل من تجرأ أن يسأل لا ليُهين، بل ليفهم، وما أكثر من ماتوا دفاعا عن حق السؤال.

فهل هناك مكان في عالمنا العربي والافريقي لصوت يهمس بالرب ولا يصرخ به؟ وهل نملك شجاعة الاصغاء الى ما هو مختلف… دون ان نلوح بسيف الالغاء؟

اقرأ أيضا…حين كانت قاعة الأساتذة: فضاء للحوار قبل أن يغزوها التفكير الوهابي التكفيري

https://dabapress.com/57866/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى