نتائج الباكالوريا بجهة سوس ماسة: تفوق نسائي بارز ومفارقات بنيوية
14/06/2025
0
بقلم: بثينة المكودي
في 14 يونيو الجاري،أعلنت وزارة التربية الوطنية عن نتائج الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة الباكالوريا برسم سنة 2025، بنسبة نجاح وطنية بلغت 66,8%، مسجلة تراجعًا طفيفًا مقارنة بالسنة الماضية، ومرة أخرى، كرّست النتائج الفارق الجندري اللافت، إذ بلغت نسبة النجاح لدى الإناث 71,3%، مقابل 61,81% فقط لدى الذكور، ما يعكس استمرار تفوق الفتيات دراسيا رغم التحديات الاجتماعية والمجالية.
جهة سوس ماسة… حين تتحدث الأرقام وتلمع الأسماء
لم تكن جهة سوس ماسة استثناء في مشهد التفوق الوطني، فقد أعلنت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين أن نسبة النجاح بلغت 61.21%، وهو رقم يُظهر تحسنا طفيفا مقارنة بدورات سابقة، لكنه يظل دون المعدل الوطني الذي بلغ هذه السنة 66.80%.
حيث من أصل 33,181 مترشحا ومترشحة، نال شهادة الباكالوريا 20,300 تلميذ وتلميذة، توزعت إنجازاتهم على مسلكين رئيسيين: 8,033 في الشعب الأدبية والأصيلة، و12,267 في الشعب العلمية والتقنية والمهنية.
ولا يمكن غضّ الانتباه حقا، ليس فقط الأرقام، بل القصص التي تختبئ خلفها.
ومن بين الناجحين، 87 تلميذا وتلميذة في وضعية إعاقة تحدّوا الصعاب ونجحوا بنسبة 74.4%، بينما سُجّلت 1,683 ميزة حسن جدا، و6,463 ميزة حسن، و3,494 ميزة مستحسن، ما يعكس حضورا نوعيا يستحق التثمين.
أكادير ايداوتنان في الصدارة… والتلميذات يكتبن قصص التفوق
التلميذتين المتفوقتين أمينة روشدو وريم جامع
ففي قلب مدينة أكادير، كتبت تلميذتان من المديرية الإقليمية أكادير إداوتنان، وهُما “أمينة روشدو وريم جامع“، اسميهما بماء التفوق، حين حصلتا على أعلى معدل في الجهة 19.48 بشعبة العلوم الفيزيائية، خيار فرنسية.
هذا الإنجاز ليس مجرد رقم، بل هو تتويج لمسار من الانضباط والاجتهاد، وسط بيئة تعليمية تتفاوت فيها الفرص والإمكانات.
الإناث بجهة سوس ماسة تصدرن المشهد مجددا، بنسبة نجاح بلغت 74.4% وعلى المستوى الوطني، بلغت نسبة النجاح لديهن 71.3%، بينما لم تتجاوز لدى الذكور 61.81%، بفارق يقارب عشر نقاط، هذا الفارق، الذي أصبح يشكّل قاعدة شبه ثابتة، لا يختلف كثيرا في جهة سوس ماسة، خاصة بالنظر إلى المعطيات المتداولة حول أعلى المعدلات المسجلة بها.
مفارقة التفوق والسلطة… حين يمشي الوطن على قدم واحدة
تجدر الاشارة الى ان خلف هذه الأرقام، تبرز مفارقة صارخة لا يمكن تجاهلها، ففي الوقت الذي تتصدر فيه التلميذات نتائج الامتحانات، وتُثبتن كل سنة، تفوقا لافتا في مختلف المسالك، نجد أن الطريق بعد النجاح يضيق أمامهن شيئا فشيئا، وكأن المجتمع يحتفي بتفوقهن في ورقة الامتحان، ثم يسحب بساط التمكين من تحتهن في أول منعرج من الحياة المهنية.
كيف نفسر أن تتربع تلميذة على قائمة المتفوقين بمعدل 19.48، ثم تُقصى لاحقا من دوائر القرار، في حين نجد خريجين ذكورا بمعدلات متوسطة يعتلون المناصب العليا، ويديرون المؤسسات، ويصيغون السياسات؟ لماذا تُكافأ الكفاءة المدرسية عند الإناث بالصمت والتهميش، بينما يُكافأ الانتماء الذكوري بالتعيين والثقة والمسؤولية؟
هذا الخلل البنيوي لا يمكن قراءته فقط كظلم فردي، بل هو صورة لوطن يمشي على قدم واحدة. وطن يستهلك طاقاته النسائية في التعليم، ثم يهدرها في سوق الشغل، ويعيد إنتاج نخب تقليدية لا تعكس تطور المجتمع ولا تنصف من تفوق فيه.
التفوق النسائي، إذا لم يُترجم إلى حضور فعلي في مواقع القرار، يظل ناقصا، بل وربما عبئا نفسيا على حاملاته. لذلك، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في تحسين نسب النجاح، بل في تحقيق عدالة ما بعد النجاح، وبناء منظومة تستثمر في الكفاءة لا في النوع، وفي الاستحقاق لا في الامتيازات الوراثية.
وراء كل معدل مرتفع، قصة اجتهاد
حيث وراء كل معدل مرتفع، قصة اجتهاد لا تجد دائمًا طريقًا مفتوح فكثيرات يتفوقن في الامتحانات، ثم يُقصين لاحقًا من مواقع التأثير، في المقابل، يحصل بعض الذكور على فرص أسرع وأوسع، حتى لو كانت كفاءاتهم أقل، وكأن النجاح لا يكفي إذا لم يكن مدعوما بانتماء اجتماعي أو نوعي معين.
هذه المفارقة تؤكد أن منظومتنا لا تزال عاجزة عن تحويل التفوق الأكاديمي إلى تفوق مجتمعي، وهكذا، يبقى المجتمع كمن يمشي على قدم واحدة يعلّم بناته جيدا، ثم لا يمنحهن فرصة المضي.
الرهان اليوم ليس فقط على نسب النجاح، بل على ما بعدها، هل نراهن على الكفاءة، أم نواصل إعادة إنتاج نفس النخب؟ وهل نمنح كل تلميذة ناجحة فرصة للمساهمة، أم نكتفي بالتصفيق لها من بعيد.
نتائج الباكالوريا ليست مجرد محطة سنوية، بل مناسبة لرسم صورة دقيقة عن حال المدرسة والمجتمع.
في جهة سوس ماسة، يظهر أن هناك حاجة حقيقية لدعم البنيات التحتية في العالم القروي، وتعزيز المواكبة النفسية والتربوية للتلاميذ، ونشر نتائج مفصلة حسب النوع والأقاليم.