اليماني: أين نحن حقيقة من “المعجزة المغربية” والريادة الطاقية؟
حين تجول بين سطور تصريح الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، تجد نفسك أمام مرايا صادمة تكشف زيف المديح الرسمي لـ"الريادة الطاقية المغربية"، وتضعك وجها لوجه مع حقيقة مُرّة: المغرب، في ما يُفترض أنه زمن الانتقال الطاقي، لم يغادر بعد عتبة التبعية شبه الكاملة للطاقات الأحفورية، بل إننا نتقهقر على سُلّم الانتقال العالمي، رغم ما يُنفق من وقت وجهد على التسويق الإعلامي والاحتفاليات الرسمية.
23/06/2025
0
حينما تصطدم الماكينات الدعائية بالحقائق الرقمية
تحرير: جيهان مشكور
حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 احتل المغرب المرتبة 70 من أصل 120 دولة في مؤشر الانتقال الطاقي، بنقطة إجمالية بلغت 53.7، أي أقل من المتوسط العالمي الذي يبلغ 56.9.
فأين نحن إذًا من “المعجزة المغربية” في الطاقة؟.
بل، والأدق: ما قيمة الخطاب الرسمي عندما تنهار مصداقيته أمام تقارير دولية مستقلة؟
يكشف اليماني أن حوالي 90% من مزيج الطاقة في المغرب ما زالت تعتمد على الطاقات الأحفورية، خاصة البترول والفحم والغاز الطبيعي، بمعدل استهلاك يبلغ حوالي 24 مليون طن مكافئ نفط سنويًا،و ذلك في وقت يُغدق فيه الإعلام العمومي والرسمي الحديث عن المشاريع الكبرى في الطاقات المتجددة، فهل نحن ننتقل فعلًا، أم نلفّ في حلقة مفرغة من “النيّة” دون فعل؟
مصفاة المحمدية (سامير): رمزية الانهيار الطاقي
يستحضر اليماني، بصفته رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ “سامير“، اسم مصفاة سامير كلما ذُكر الأمن الطاقي الوطني. كونها منشأة كانت قادرة على إنتاج خمس مواد بترولية أساسية، وهي: البنزين والكازوال والفيول والجيت والبيتوم، وكانت توفرها بنسبة مائة في المائة للسوق المغربية وتصدر نسبة أخرى، باستثناء الكازوال الذي كان توفرها بنسبة 50 في المائة، وتؤمن آلاف مناصب الشغل، وتساهم في تخزين وخلق احتياطي استراتيجي… لكنها اليوم متوقفة عن العمل منذ 2015، ومهددة بالتفكك، والبيع “بالقطعة”، تحت صمت حكومي مريب.
و اعتبر اليماني أن إعادة تشغيل المصفاة ضرورة عاجلة، وليست مجرد مطلب نقابي، قائلاً بوضوح: “لا انتقال طاقي بدون تأمين حاجياتنا من الطاقات الأحفورية، ولا سيادة طاقية دون تكرير واحتياطي وطني”.
ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية حول مصادر الطاقة، فإن استمرار اعتماد المغرب على الاستيراد الكامل للنفط المكرر هو مقامرة مكلفة قد تهدد الأمن الوطني الاقتصادي والاجتماعي في أي لحظة.
الهيدروجين الأخضر… الحلم المُعلّب
يتحدث اليماني عن مشروع الهيدروجين الأخضر، الذي يحاول الخطاب الرسمي تصوير المغرب كدولة رائدة فيه..، و يُحذّر في تصريحه، أن هذا الرهان ما يزال في مراحله الجنينية، لا من حيث الكلفة، ولا من حيث السلامة والأمان، ولا من حيث الجدوى الاقتصادية، بل إن واقعَ الحديث عن “الريادة” سابق لأوانه، وقد يتحول إلى وهم تسويقي يبرر التراجع في الاستثمار الحقيقي في البنية التحتية الطاقية الفعلية، كالاستكشافات الغازية وتكرير البترول وتطوير تقنيات التخزين الطاقي ذات الكفاءة العالية.
بعبارة أخرى: نحن لا نبيع طاقة، بل نبيع الوهم قبل أن ننتج أي شيء.
فحتى اليوم، لا توجد في المغرب محطة صناعية واحدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في طور الاشتغال الكامل، و
الأسوأ أن هذا المشروع يلتهم التمويلات والتموقعات الجيوسياسية في غياب رؤية وطنية واضحة، تخدم أولاً المواطن المغربي، لا الأسواق الأوروبية التي تحلم بأن تكون “خضراء” على حساب “السواد” المغربي.
الطاقة المتجددة… عندما يصبح الاستثمار استعماراً ناعماً
في سياق آخر، ينتقد اليماني هيمنة منطق “الصفقات الكبرى دون حسابات استراتيجية” في مشاريع الطاقة المتجددة، والتي تُقام على آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية والرعوية، دون أن تحقق نتائج ملموسة في الفاتورة الطاقية للمواطن أو في السيادة الوطنية على مصادر الطاقة.
ويشير إلى أن التقنيات الحديثة مثل الاندماج النووي تُحقق قفزات علمية في الدول المتقدمة، بينما المغرب لا يزال يراهن على مشاريع ريحية وشمسية تتطلب أراضٍ شاسعة واستثمارات ضخمة بعائد ضعيف على المدى القريب والمتوسط.
فهل نحن نراقب التطورات التكنولوجية؟ هل نعيد تقييم اختياراتنا بناء على جدواها الحقيقية؟ أم نكتفي بالركض خلف مشاريع تُقرّر في باريس وتُنفّذ في الصحراء، بينما المواطن يدفع الثمن مرتين.. مرة باستغلال أرضه و مرة اسنزاف جيبه ؟
من “إرادة الدولة” إلى “دولة الإرادة”
ما يقترحه اليماني ليس نسفاً لأحلام المستقبل، بل إنقاذاً لحاضر مأزوم.. اليماني يريد انتقالاً طاقياً حقيقياً، وليس نسخةً مشوهة من “التحول التسويقي”.
فلا يكفي التلويح ببرنامج “نور” وحقول الرياح، دون استراتيجية حقيقية لتقليص التبعية الطاقية وتقوية البنية الصناعية المحلية، وأولها إعادة تشغيل مصفاة المحمدية، فأي حديث عن الانتقال الطاقي في المغرب يجب أن يبدأ أولاً بامتلاك القرار الطاقي، لا بالاستيراد العشوائي ولا بالركض خلف سراب المشاريع الأجنبية.
وبينما تصدر الخطابات الرسمية من مكاتب مكيفة في الرباط، تظل الحقيقة واضحة تحت شمس المحمدية:
بدون تكرير محلي، وبدون استقلال في الموارد، وبدون استراتيجية واقعية، سيبقى “الانتقال الطاقي” في المغرب مجرد انتقال من مؤتمر إلى مؤتمر… وليس من النفط إلى المستقبل.