«مسيرة الكرامة».. حين تمشي أيت بوكماز لكي يسمعها وينصفها الوطن+فيديو
10/07/2025
0
في قلب الأطلس الكبير، حيث تعانق القمم الغيوم وتعيش القرى في عزلة شبه دائمة، خرجت ساكنة أيت بوكماز في مسيرة غير عادية، لا صراخ فيها ولا عنف، بل خطوات هادئة، متعبة، وملونة بالأمل.
بقلم: بثينة المكودي
صباح الأربعاء 9 يوليوز، انطلقت قافلة بشرية من دواوير جماعة تبانت، شباب وشيوخ وأطفال، مشيا على الأقدام صوب أزيلال، في ما سُمّي بـ”مسيرة الكرامة”، بحثا عن صوت يسمع ومطالب لا تؤجل.
ليست هذه أول مرة يحتج فيها سكان القرى الجبلية، لكنها واحدة من أبلغ الرسائل التي كتبتها الأقدام لا الأقلام، في وجه من اختار الصمت حين تعلق الأمر بالكرامة والحق في الحياة.
“نمنا في العراء.. ولسنا متسوّلين”
عند مدخل قرية آيت امحمد، قضى المشاركون ليلتهم على الأرض، دون خيام أو أغطية كافية، من هناك، ووسط برد الجبال، قالت سيد خمسيني بصوت مبحوح ودارجة صعبة الفهم:
“جينا باش يسمعونا، ماشي باش نعطيو مشكل، احنا بغينا نعيشو بحال الناس.. ماشي بزاف.”
المطالب واضحة إصلاح الطريق الجهوية 302 و317، توفير وسائل النقل خاصة النقل المدرسي، تعيين طبيب قار في المركز الصحي وتجهيزه، سيارة إسعاف، تغطية شاملة للهاتف والإنترنت، ملاعب قرب، سدود تلية، ماء صالح للشرب، ومدرسة جماعية تضمن للفتيات الحق في الدراسة.
مطالب لا تتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، لكنها تُقابل منذ سنوات بسياسة “الآذان الصماء”.
رئيس الجماعة يمشي مع الناس
اللافت في هذه المسيرة أن رئيس جماعة تبانت، خالد تيكوكين، شارك فيها شخصيا، وهو ما ندر في مشاهد الاحتجاج المحلي.
وفي تصريح له، قال:
“ما غاديش نفرّط فكرامتهم… ولو استمر بينا المسير حتى البحر”.
وهي إشارة لافتة إلى تآكل الثقة بين السكان والمؤسسات الجهوية، ما دفع حتى المنتخبين المحليين إلى الاصطفاف مع من انتخبوهم، بعدما سُدّت كل الأبواب.
الاحتجاج الجبلي.. حين يصبح الجسد لغة
ليست هذه فقط مسيرة مطلبية، بل أيضا تعبير رمزي عن فقدان الثقة في الوسائل التقليدية للاحتجاج، فحين لا ينفع الحوار، ولا تُسمع البيانات، ولا تصل العرائض، يصبح الجسد نفسه وسيلة إعلام، والمشي الطويل إعلانا عن حالة طوارئ اجتماعية غير معلنة.
يقول أحد الشباب المشاركين:
“مشينا لأننا تعبنا من الكتابة، تعبنا من التوسّل، وبغينا المسؤول يشوفنا بعيونو، ماشي فالتقارير.”
مشاهد من الطريق”الأطفال حفاة والأمهات يحملن صور بناتهن”
المسيرة لم تكن فقط رجالا غاضبين، بل.أباء وإخوة يحملون صور بنات انقطعن عن الدراسة لغياب المدرسة الجماعية، وأطفال حفاة يمشون الكيلومترات، لا من باب الاستعراض، بل لأن الواقع لا يمنحهم ما يلبسون، وشباب يرتدون قمصانا رياضية قديمة، يرفعونها كرمز لحلم مؤجل في ملعب قرب.
وراء كل خطوة حكاية صمتٍ طويلة، ووراء كل وجع ابتسامة تقاوم الانكسار.
من التهميش إلى الفعل الاجتماعي
سوسيولوجيا، تندرج هذه المسيرة في ما بات يُعرف بـالاحتجاج المعتمد على الجغرافيا، حين يتحول المكان نفسه إلى أداة مقاومة، فحين يقرر السكان أن يتحركوا من دواويرهم إلى مقر العمالة مشيا، فهم بذلك يعلنون تجاوز مرحلة الحوار العقيم، وينقلون معركتهم من الهوامش إلى قلب المجال الإداري.
إنها ليست “مسيرة جوع”، بل مسيرة وعي، ليست فقط صرخة ضد الفقر، بل ضد سياسة الإهمال المتعمد، وضد الاعتقاد أن المواطن الجبلي لا يعرف حقوقه.
ردود الفعل على وسائل التواصل
على فيسبوك وتويتر، تفاعل عدد من الحقوقيين والمواطنين مع صور المسيرة التي وثقتها هواتف بسيطة، بكلمات مؤثرة:
“إنها مسيرة الإنسان الذي تعب من الصبر.”
“حين تمشي الجبال، فاعلم أن السهل خانها.”
“هذه ليست سياحة في الطبيعة، بل مطالبة بحق الحياة.”
“أيت بوكماز ليست فقط صورة جميلة في بروشورات وزارة السياحة”
ما يجب تذكره جيدا، هو أن أيت بوكماز ليست فقط وجهة سياحية ذات مناظر خلابة، بل موطن لآلاف المواطنين، الذين يطالبون بحقوقهم لا أكثر، وحين تسير النساء والرجال كيلومترات في الجبال، فهم لا يطلبون صدقة، بل إنصاف، ولا يطلبون امتيازات، بل مساواة.
هل من مُجيب؟
مسيرة الكرامة ليست ضد أحد، بل لأجل الجميع، هي لأجل الأطفال الذين يستحقون الدراسة، والنساء اللواتي أنهكهنّ البحث عن الماء، والمرضى الذين لا يجدون طبيبا، والشباب الذي يريد أن يبقى في قريته ولا يهاجر مرغما.
فهل سيتحرك المسؤولون؟ هل ستكون هذه المسيرة نقطة تحوّل في علاقة الدولة بالمجال الجبلي؟
وهل تُترجم مطالبهم إلى مشاريع، بدل أن تبقى مجرد أخبار عابرة على صفحات الجرائد؟
أيت بوكماز مشَت… والآن، الدور على الدولة أن تُنصت.