هذا مبرر نساء البيجيدي لخطاب بنكران النكوصي..إنها غيرته على الأسرة!!
15/07/2025
0
بقلم: بثينة المكودي
لم تمر تصريحات عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، التي عبّر فيها عن قلقه إزاء ارتفاع سن الزواج وتراجع الخصوبة و”ضياع فرص الزواج بسبب الإصرار على الدراسة”، مرور الكرام، فقد أثارت موجة استياء واسعة، خصوصا في أوساط الحركات النسائية، التي اعتبرتها انتكاسة صريحة في مسار التمكين والمساواة، وتعكس رؤية نمطية تقزّم من قدرة النساء على التوفيق بين التعليم والأسرة والعمل.
وفي رد مباشر على هذا الجدل، خرجت منظمة نساء العدالة والتنمية، الذراع النسائي للحزب، ببيان رسمي يوم الأحد 14 يوليوز الجاري، عبّرت فيه عن “أسفها واستغرابها”الشديدين لما اعتبرته تأويل مجتزأ ومغرض لتصريحات الأمين العام”، مؤكدة أن كلام بنكيران أُخرج من سياقه، وتم تحريفه من قبل “المتربصين بالحزب”.
الدراع النسائي للبيجيدي يبرر
المنظمة، التي فضّلت في البداية التزام الصمت، قررت التدخل بعدما تحوّل النقاش إلى حملة تشويه منظمة، بحسب البيان، الذي شدّد على أن بنكيران لم يُهاجم تعليم الفتاة أو تمكينها، بل عبّر عن قلق مشروع إزاء اختلالات اجتماعية استنادا إلى معطيات إحصائية رسمية، داعيا إلى “تحقيق التوازن بين التحصيل الدراسي والاستقرار الأسري”.
ولم تكتف المنظمة بالدفاع عن مضمون التصريح، بل وجّهت اتهامات ضمنية لبعض الجمعيات النسائية بـ”ازدواجية المعايير”، معتبرة أن هذه الهيئات تصمت أمام المعاناة اليومية لنساء القرى والهامش، بينما تنخرط في “تجييش غير مبرر” ضد خطاب وصِف بأنه “يحمي الأسرة المغربية”.
هذا الخطاب الدفاعي فتح الباب لنقاش أوسع حول مدى مصداقية مواقف الحزب، ومدى انسجامه مع تحولات المجتمع المغربي، خاصة حين تُختزل مشاكل النساء في مسألة تأخر الزواج، ويتم تغييب الأسباب الهيكلية لعزوف الشباب عن تكوين الأسرة، من بطالة وهشاشة وانعدام الأفق.
التاريخ السياسي لبنكران حافل بتريحات غايتها تكريس “دونية النساء”
وليست هذه الخرجة الأولى من نوعها لعبد الإله بنكيران. فتاريخه السياسي حافل بتصريحات تُعيد إنتاج الدونية في حق النساء، وتُلبس الفكر الأبوي لباس الغيرة على “الأسرة المغربية”. وليس جديدًا أن يُجيّش الحزب ذراعه النسائية للدفاع عما لا يُدافع عنه، عبر خطاب يستنجد بالقيم والهوية لتبرير التحكم وإعادة إنتاج الوصاية الذكورية.
تصريح بنكيران الأخير لم يكن زلة لسان، بل استمرار في مسار طويل من التبخيس المنهجي لحق النساء في الاختيار. رجل يتصدر المشهد السياسي منذ عقود، لا يزال يتحدث عن الفتاة وكأنها كائن هشّ ينبغي أن يُسابق الزمن للزواج قبل أن “يفوته القطار”. وأي قطار؟ ذاك الذي لا يمر إلا بموافقة الذكر، ورضا المجتمع الذكوري، وقبول المرأة بحصر أدوارها داخل “الأسرة”، لا خارجها.
أما بيان “منظمة النساء”، فلم يكن سوى محاولة لتأنيث التبرير، وتقديم القمع في صورة النصح، وكأن التراجع عن حقوق النساء قابل للتمويه حين يصدر عن نساء يُدافعن عن ما يُفترض أن يحمين أنفسهن منه.
الحقيقة أن أحدا لم ينتقد بنكيران لأنه عبّر عن قلقه من معدلات الخصوبة، بل لأنه صوّب نقده نحو النساء، محمّلًا إياهن وحدهن مسؤولية تفكك النسيج الاجتماعي، متجاهلًا السياسات العمومية الفاشلة، وسنوات من الإهمال الاجتماعي والاقتصادي.
محاولة مخادعة لإعادة النساء إلى حظيرة الانضباط الأبوي
خطاب “التوازن بين الدراسة والزواج” ليس بريء فهو محاولة مخادعة لإعادة النساء إلى حظيرة الانضباط الأبوي، تحت شعار نحن لا نمنع، نحن فقط نخاف عليكن. وهو خطاب يُقدّس الوصاية باسم العفة، ويُسفّه التمكين باسم الاستقرار.
أما الحزب الذي لم يُحرّك ساكنًا أمام تفشي تزويج القاصرات، ولم يضع قضايا الصحة والتعليم والهشاشة في صلب مشروعه السياسي حين كان في الحكم، فلا يملك اليوم شرعية الحديث عن مصلحة الأسرة أو واقعية الحلول، لأن الخطاب الذي يُلقي دومًا باللوم على النساء، يجعل من الأسرة قيدا لا فضاء للاختيار، ومن الأمومة قدرا لا قرارًا.
نحن لا نقف أمام تعبير عابر، بل أمام خطاب سياسي يُعاد تدويره بوجوه نسائية تُجمّله، لكنه في جوهره لا يزال يُعيد إنتاج التراتبية، ويُقصي صوت النساء الحرّ، ويجعل من “الفضيلة” غطاءً لحرمانهن من حقهن الكامل في التعليم، العمل، الاختيار، والمشاركة.