الرئسيةرأي/ كرونيكمجتمعميديا وإعلام

سلمى تيبو وضريبة الجسد في زمن التنمر والرأسمالية الرقمية

بقلم: بثينة المكودي

لم تكن وفاة صانعة المحتوى المغربية سلمى تيبو مجرّد خبر عابر في نشرات الظهيرة، بل كانت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، صرخة مدوّية في وجه مجتمع يستهلك صور مثالية ولا يرحم من يخرج عنها.

سلمى، التي كانت تحاول أن تحجز لنفسها مكانا في عالم المحتوى الرقمي، وجدت نفسها في مواجهة جبهة من التنمّر والسخرية والانتقادات الجارحة التي لم تتوقف عند الشاشة، بل طعنت جسدها وروحها، وانتهت بها إلى غرفة عمليات لم تخرج منها حيّة.

لقد تحولت معايير الجمال المفروضة من قبل صناعة الإعلانات والتسويق العالمي إلى قوانين غير مكتوبة، تفرض على الأفراد شكلا معين للجسد والوجه والحياة، وتحاكم كل من يخرج عن هذه القوالب الجاهزة.

سلمى، مثل كثيرات غيرها، لم تكن ضحية جراحة فاشلة فقط، بل ضحية صورة نمطية استهلاكية هجومية تقول إن الجسد المثالي هو شرط القبول، وإن النجاح مقترن بالنحافة، والابتسامة المتناسقة، والبشرة النقية، والخصر الممشوق.

“التنمر الإلكتروني عنف مميت بلا رصاص”

لكن الوجه الأخطر في هذه المعادلة ليس مجرد الإعلانات أو المنصات الاجتماعية، بل ذاك الحشد اليومي من “القضاة الافتراضيين” الذين يمارسون أحكاما متواصلة بالتنقيط والسخرية والتجريح، بأسماء مستعارة وصور مزيفة، دون مساءلة.
هؤلاء لا يطلقون الرصاص، لكن كلماتهم تقتل، ولا يدفعون المال، لكنهم يطالبون بالمقاييس المجانية نفسها التي تفرضها الرأسمالية في عالم التسليع والتجويف “أنت تُقدَّر بمدى قابليتك للاستهلاك، لا لكونك إنسان”.

سلمى، التي لم تكن تعاني من مرض جسدي مزمن، قررت أن تغيّر جسدها لتصمت جوقة المتنمّرين، ودخلت غرفة العمليات كمن يدخل معركة صامتة دون درع، فانتهى بها الأمر جثة تشيّع على وقع دموع وأسئلة بلا أجوبة.

لكن السؤال الأهم لا يتعلق بسلمى وحدها، بل بالمجتمع كم من شابة تقف الآن على حافة القرار نفسه؟ وكم من شخص يعيش تحت ضغط الصور المثالية التي تسوّقها الشركات وتفرضها المنصات ويمارسها المجتمع؟

اليوم، بات واضحا أن التنمر الإلكتروني ليس مجرد عنف رمزي، بل عنف حقيقي يقتل، يدمّر، يدفع الناس نحو القرارات الجراحية والنفسية والوجودية الأكثر خطورة، وهو ما يجعل من الحزن على سلمى تيبو واجب إنساني، ومن الغضب على ما أوصلها إلى هذا المصير مسؤولية جماعية.

مجتمع يشارك دون محاسبة، القساوة اليومية تصدر عن مستخدمين لا يقتنعون بكوننا بشر مختلفين، بل ككائنات تُقيّم فقط بمدى قابليتنا للاستهلاك البصري

إن الرأسمالية التي تسوّق الجسد كسلعة، والإعلام الذي يكرّس هذه القوالب، والمجتمع الرقمي الذي لا يرحم، كلها مسؤولة بالتكافل عن مآسي من هذا النوع، ورحيل سلمى يجب أن يكون نقطة بداية لفتح نقاش وطني حول أخلاقيات التواصل الرقمي، والمسؤولية الاجتماعية لمنصات التواصل، والحق في اختلاف الأجساد، واختلاف الحضور، واختلاف الأحلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى