رأي/ كرونيك

الدكتور ادريس النوازلي يكتب: العنف الإلكتروني المدرسي بين الجريمة والانحراف

معلوم ان الجريمة هي انحراف عن المعايير الاجتماعية وانتهاك للقانون، بمعنى الجمع بين المفهومين الاجتماعي والقانوني، الأول يكون الفعل الضار اجتماعيا والثاني معاقب عليه جنائيا، والمتتبع لجريمة في المجال الالكتروني قد يرجعه الى المعاناة التي يعيشها الشباب اليوم او التطلع على عيشة أفضل وان كانت مقبولة على اعتبار ان الجريمة في نظر علماء النفس هي تعبير عن طاقة انفعالية لم تجد لها مخرجا اجتماعيا فادت الى سلوك لا يتفق والأوضاع التي يسمح بها المجتمع فهو سلوك متعمد وغير مشروع يصدر عن مظاهر نفسية هي اعراض الكبث والاضطراب الداخلي لإشباع احتياجات تدفع الفاعل نحو هذا السلوك.

الجريمة الالكترونية، تنطلق من وسيلة ارتكابها، وتتحقق باستخدام الجهاز، الشيء الذي انتقده العديد من الفقهاء من أن تعريف الجريمة يستدعي الرجوع إلى العمل الأساسي المكون لها وليس فحسب إلى الوسائل المستخدمة لتحقيقه، بمعنى أنه ليس مجرد أن الحاسب قد استخدم في جريمة أن نعتبرها من الجرائم الإلكترونية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فريق آخر أرجع تعريف الجريمة المعلوماتية أو الإلكترونية إلى الطابع الشخصي المتمثل في المعرفة التقنية والفنية، وهذا بدوره مردود، لماذا، لأن هناك جرائم ترتكب بتظافر وبمجهودات لأشخاص عدة من تقسيم للأدوار من مخطط ومنفذ ومحرض ومساهم، وقد لا تتوافر في أحد هؤلاء المعرفة الفنية المشار إليها أعلاه.

فالسلوك قد يوصف بالجرم وقد يوصف بالانحراف، يبدو كلمتان مترادفتان والحال هناك اختلافا مهما من حيث درجة الإساءة او حجم الضرر الذي قد يلحق بالفرد او المجتمع من جراء الافعال الصادرة عن شخص ما، ودرجة التجريم القانوني للفعل او السلوك، ويبقى معيار التفرقة في مواقف المجتمع ودرجة تسامحه عن بعض الأفعال الضارة اجتماعيا، بمعنى إذا كان الفعل الضار اجتماعيا يدخل في نطاق حدود التسامح فهو سلوك منحرف وليس بجريمة وانه إذا كان يتجاوز حدود التسامح فهو فعل او سلوك جرمي.

ان تواجد العالم الافتراضي ودخول عامة الناس اليه رغم اختلاف المستويات الثقافية والعلمية والخوف من المحتمل او المستقبلي، أدى الى التفكير في وضع استراتيجيات عمل تعتمد الوقاية والحذر لمستعملي الانترنت، وبدأ يلوح في الأفق ما يسمى بالخطورة الاجتماعية وجب البحث عن وسائل الدفاع في مواجهة الاخطار الاجتماعية من اية جهة كانت.

فالانتقال من عصر اللاتقنيات الى عصر التقنيات غير اسلوب الحياة للأشخاص والجماعات، من نقل للأفكار ومناقشة القضايا على اختلاف أنواعها، التنظيم من الافتراضي الى الواقعي، المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تركيبة اجتماعية الكترونية تتم صناعتها من افراد وجماعات او مؤسسات، هي صفحات الويب التي يمكن ان تسهل التفاعل النشط بين الأعضاء المشتركين في هذه الشبكة الاجتماعية الموجودة بالفعل على الانترنيت، تساعد الأعضاء فيما بينهم وتشمل المراسلة الفورية – الفيديو- الدردشة – تبادل الملفات – مجموعات النقاش – البريد الالكتروني – التدوينات، كل ذلك زاد من احتمال المس بالحياة الخاصة للأشخاص من جملتهم المدرسين، والقول بهذا يعني بالمفهوم المعاكس ان الحياة الخاصة هي ما دون الحياة العامة التي تتصل بالجمهور والتي قد تكون وتدخل في خانة المصلحة العامة، فكل تدخل في الخصوصيات كاستراق السمع ونشر الصور قد يسئ اليه ويشوهها غاية فضح الاسرار وزعزعة الثقة، على اعتبار ان الحياة الخاصة تتميز عن الحياة العامة من الناحية الكيفية وليس من الناحية الكمية.

والجدير بالذكر ان الخصوصية هي التي بواسطتها يتمكن الشخص من التحكم في معلوماته بعيدا عن مراقبة العامة والخاصة في حدود ما يخوله القانون، بالشيء الذي يؤمن مسكنه وشرفه وعرضه وسمعته ومحادثاته ومراسلاته وجميع اتصالاته بأي شكل من الأشكال المخولة قانونا.
ان مواقع التواصل الاجتماعي هي مواقع اجتماعية تفاعلية تتيح التواصل لمستخدميها من خلال واقع افتراضي لالتقاء الأصدقاء والمعارف والاهل، المماثل للواقع الطبيعي، من خلال تكوين علاقات مع الأصدقاء من مختلف الاعمار والاجناس ومن كافة انحاء العالم، كما هي عبارة عن منافذ للتعبير عما يدور في عقول النفوس من افراح واحزان، وتبادل التجارب والمعارف والملفات والصور ومقاطع الفيديو، والتقارب بين الشعوب، عن طريق انشاء علاقات مع الآخرين، يتيح للمستخدم انشاء حساب شخصي لأجل تكوين علاقات مع مستخدمين آخرين للمواقع نفسها.
ويعد الفيس بوك الأكثر استخداما في العالم، مكن من التعريف بالذات وتكوين مجتمع افتراضي تفاعلي والاختيار المناسب للعروض الحركة والمرونة وقابلية التحويل للإشارات المسموعة الى رسائل مطبوعة او مصورة او العكس، قابلية التوصيل للمتغيرات الاجتماعية، تكوين الصدقات، عضوية للأفراد والجماعات بحسب المتغيرات السياسية، فضلا عن تعبئة الراي العام وظهور المواطنة الافتراضية وتفعيل دور المجتمع المدني.

فمن إيجابيات الانترنت بصفة عامة ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، انها تمكن من استمرار التواصل بين مستخدميه بتقوية العلاقة بين افراد المجتمع وتبادل الآراء والمعلومات واجراء الفحوصات الطبية، التعرف على ثقافات الشعوب وتوحيد الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يكون أحيانا يتجاوز الاعلام لمجالاته التقليدية والحديثة، وأيضا تجاوز الفرد من القدرة على التعاطي مع الانترنيت الى ان يقدم أكثر ما لديه من حيث التواصل خلف الجهاز، مما سهل عملية التعارف وجعلها سريعة تمكن من توصل الطالب بالمحاضرات والدراسات عبرها وهو ما وقع في زمن الكورونا في اطار ما افرزته الجائحة او ما سمي بالتعليم عن بعد.
الا انه هناك سلبيات تتجلى في الميل نحو النرجسية بالنسبة لبعض التلاميذ المراهقين والاضطرابات النفسية بالنسبة للبالغين، فالإفراط والادمان في استخدام وسائل التواصل والاعلام له تأثير سلبي على صحة الأطفال واصابتهم بالتوتر والاكتئاب، مما قد يصبحون عرضة للمعاناة من ضياع الوقت والتنقل عبر الصفحات والحديث في أمور تافهة ومدى تأثيرها على الجانب الاسري، فضلا عن انها تؤدي الى العزلة الاجتماعية وعدم الاندماج مع الاسرة والميل الى الإساءة للآخرين من نشر للأكاذيب وبث لمعلومات غير صحيحة والمغلوطة، كل هذا اسفر عن تدني المستوى الاكاديمي ودفن للمواهب والطاقات التي يحتاج اليها كل مجتمع يرغب في السير قدما نحو التقدم والتطور العلمي والالكتروني.

لقد أفرز التطور الإلكتروني الحديث وما صاحبه من انتشار الاستعمال التقني للحاسب الآلي داخل جميع المجتمعات الكونية، إذ بواسطته تم تخطي الحدود الجغرافية وأصبح التعامل بين البشر يتسم باليسر دون اعتبار لعامل الزمان والمكان، فكلما تعمق الإنسان في الاستخدام للحاسب الآلي في جميع المجالات إلا وأصبح عنصر الاستعمال السيئ واد.

ولعل الغاية من اختراع الحاسوب الآلي وربطه بشبكة الانترنت، هي تحقيق الطاقة التخزينية والمرونة والسرعة في الإنجاز لأجل اغناء الحضارة البشرية، الا انه في المقابل هذا الاختراع استغل من قبل ذي النفوس الخبيثة بإساءة استخدام هذه التقنية لأغراض خاصة دون مراعاة للنظم والقوانين التي تحكم المجتمعات وقد تكون الإساءة لجهل او ابراز للعضلات المعرفية.
كما هو معلوم تعتبر جريمة الانترنت عبر الحاسوب نمطا حديثا لم تكن تعرفه المجتمعات السابقة، بحيث أصبح الاستخدام الواسع في جميع المجالات ليطرق باب المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية وشريحة مهمة من التلاميذ والطلبة على اختلاف المستويات واختلاف الأهداف من ربح او استعراض العضلات او للتشوه في قهر الانسان من جنسه والتلذذ.

فجرائم الحاسب الآلي تتفرغ عنها مجموعة من الأنواع قد تكون استغلال البيانات المخزنة فيه او اختراقه لأجل تدمير البرامج والبيانات او الاستخدام لأغراض الشخصية او لارتكاب جرائم معينة بحيث أصبحت تشكل الجرائم الالكترونية تهديدا للأمن الاجتماعي وتفسخ اجتماعي وانهيار النظام الاجتماعي العام للمجتمع بسبب الاستخدام غير الأخلاقي وغير القانوني للشبكة، ويزيد الامر تفاقما حينما يصل الامر الى المراهقين والهواة فيؤثر على شخصيتهم التي لا زالت في طريق النمو ويضعهم في ازمة، وتكون لديهم عقد نفسية خاصة لما يتعلق الامر بالمواضيع الجنسية والصور الإباحية، على اعتبار ان جنوح التلاميذ يشكل خطرا كبيرا ويهدد مستقبل المجتمع، فهم في حكم الاحداث الجانحين يخضعون لرعاية قانونية خاصة، فهي تدابير اكثر ما هي عقاب الذي يبقى آخر ما يلجأ اليه.

وقد يساهم العنف العائلي كيفما كان ماديا او معنويا من تحقير وايذاء نفسي خلافا لما يجب ان يحصل عليه التلميذ او الطالب من رعاية ودعم من الوالدين او الأسرة التعليمية والمجتمع، من بسط للحماية وبإعطاء الفرصة في المناقشة والحوار وتقبل الاختلاف، لان الاختلاف في الابداع ينمو في أجواء الحوار ويموت في مهده في أجواء التعصب والاوامر الصارمة، مما يولد عنه نوعا من العنف ورد للفعل، على اعتبار ان المناهج الدراسية هي عماد العملية التعليمية، بحيث يجب ان تكون قابلة للتعديل كلما تطلبت مقتضيات العصر ذلك والا تكون في قالب جامد لا يساير الواقع ولا تقدم حلول لمشكل ما قد يطرأ مستقبلا.

ونقصد بالعنف الالكتروني المدرسي، هو كل فعل ينتج عنه ضررا للغير داخل المؤسسة التعليمية او الفضاء المدرسي او خارجها باستخدام الوسائط الالكترونية من حاسوب وهاتف ذكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يتخذ صور متعددة من سب وقذف وشتم وترويج لأفكار واخبار زائفة وتحقير الفرد المستهدف، والابتزاز بأشكاله والذي قد يكون فيها الضحية التلميذ او الأستاذ، وهو من اخطر أنواع العنف لأنه يبدأ بالأسرة وينتهي بالمجتمع، فهو عنف من نوع خاص لا يحتاج الى قوة بدنية، وانما يكفي وجود حاسوب او هاتف لتنفيذه، وقد لا نعرف من قام به بسبب تصدع عملية التنشئة الأسرية داخل البيت او المدرسة، وتنعكس سلبا في العلاقة بين المدرس والتلميذ، كما تكون بين التلاميذ فيما بينهم ذكورا ذكورا او ذكورا واناثا، ونعني بذلك التنمر او التحرش الجنسي الالكتروني الافتراضي من بعضهما البعض، ويفرز نوع من سلوكيات ضارة خطيرة قد تؤدي بالضحية الى تعاطي المخدرات وشرب الكحول تحت وطأة المفارقة للنظم التعليمية والاصابة بفقدان الثقة بالنفس، وقد يصل الامر الى التفكير واللجوء الى الانتحار.

وقد يلعب بعض الاعلام دورا مهما في ترسيخ فكرة العنف عبر المشاهدة للتلفاز والقابلية للمحاكاة لدى الشباب الذي يلعب دور البطولة خاصة في المجال التعليمي داخل القسم، بالتطاول وعدم الاحترام للأستاذ وعدم الخوف من الإدارة والعقاب هذ ا من جهة، ومن جهة أخرى الارتباط باللاتكيف مع الوسط المدرسي، وتأثير المعاملة السيئة للتلميذ على مشاركته في القسم حسب الجنس والمستوى الدراسي والفشل والرسوب المتكرر والنقد المتكرر من طرف الأستاذ وعدم الشعور بالارتياح وسوء التفاعل بين الاستاذ والتلميذ، وبين التلاميذ فيما بينهم، مما يلجأ هذا الأخير الى اتخاذ أسلوبا آخرا للرد والانتقام والحص في عدم الكشف عن هويته والحاق الضرر بالغير ويتخذ من الوسيلة، الأساليب الحديثة التي تخفي هويته ويسود نوعا من الغموض والابهام مما يربك الأمور، لان هذا النوع من الجرائم يتميز بالسرعة في الإنجاز واختفاء الجانح وراء الجهاز وصعوبة الاثبات، فهو عنف افتراضي لكن عواقبه مادية تمس الشخص المستهدف وتلحق به ضررا عميقا لأنه يمس نفسية المعتدى عليه.

ويبقى المجتمع بجميع مكوناته مسؤولا، بحيث يجب غرس مبادئ حب الوطن والمواطنة في الأجيال الحالية، وتكوين المدرسين بيداغوجيا مع وضع الاهتمام في كيفية التعامل مع المراهقين، وبوضع سبل كيفية القضاء على المخدرات بالمحيط المدرسي رغم المجهودات المبذولة، بحيث يغيب عن العلاقات الاجتماعية، القدوة الحسنة لدى التلميذ والإرشاد والتوجيه، حتى لا يقال تم الاكتفاء بالتعليم وتم التخلي عن التربية، والحال ان الامر مرتبط لا يمكن الفصل بينهما.

فأسباب العنف المدرسي، هو الفشل الذريع في التربية والأسرة التي تخلت عن الدور المنوط بها وظهر مشكل جديد في ساحة التربية وهو صعوبة التواصل مع التلميذ من طرف المدرس والاسرة دون اللجوء الى وسيلة القاء اللوم المتبادل ووضع التلميذ حلقة وسطى تؤهله للضياع، فضلا عن عدم مراعاة الفوارق الاجتماعية والتمييز في المعاملة على كلا الجانبين هذا من جهة، ومن جهة اخرى قد يكون المدرس مزاجيا وتنقصه الخبرة والمعرفة في الوسائل الحديثة في التواصل مع التلاميذ، وضعف البيئة المدرسية وما يقابلها من تمرد على الأنظمة التعليمية ورفضها، والنظرة الظلامية لمنفعة المتمدرس، وقيمة الشهادة العلمية بالنظر الى عدد البطالة وقلة فرص الشغل.

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في ترسيخ مفهوم العنف داخل نفسية التلميذ، مما يجب وضع مقاربة شمولية لمعالجة وضعية ظاهرة العنف باستحضار البعد القيمي والاهتمام بالتربية القيمية ووضع قواعد الحياة المدرسية والمساهمة في عملية التنمية السلوكية، وتقويم دور المجالس التأديبية داخل المؤسسات، وجعل التلميذ شريكا في محاربة العنف، ولا ننسى دور جمعيات أولياء التلاميذ الى جانب الإدارة وتوظيف اخصائيين نفسانيين بالمدرسة لمتابعة التلاميذ العدوانيين.

ويبقى نشر الوعي لدى مستعملي المواقع التواصل الاجتماعي مهما، من توضيح دوره وأثره في تنمية شخصية الفرد او الجماعة، ولا يتأتى ذلك الا بعقد دورات تكوينية بالمدارس والمعاهد وتطوير المهارات في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة القضايا العامة، وترشيد قبولية الأعضاء الا بعد التفحص والانتقائية، كما يجب تنمية القيم الأخلاقية وغرس المبادئ لدى التلميذ سواء على المستوى الاسري والمدرسي، ومعرفة حاجيات التلميذ ومستلزماته، واعطائه الفرصة واشراكه في محاربة العنف المدرسي تقليديا وحديثا، وفرض احترام التلميذ للمدرس بما يليق بالمهمة المنوطة به، لان العنف الالكتروني يلجأ اليه بسهولة خلاف العنف المتداول الواقعي الملموس.

وعلى كل فان المسألة هي مسألة وطنية، لا يكتمل حلها الا بتظافر الجهود من قبل جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني بجميع اطيافه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى