لم يعد الغلاء في المغرب مجرد خبر اقتصادي عابر، بل صار واقعا خانقا يطبع موسم الصيف، ويعيد تشكيل خريطة السفر.
الجالية المغربية التي اعتادت العودة كل صيف تجد نفسها اليوم أمام معادلة مستحيلة، وسائح الداخل الذي يحلم بعطلة قصيرة يكتشف أن وطنه أغلى من أي وجهة خارجية.
الأسعار تحرق الجيوب… وفنجان القهوة شاهد
تذاكر الطيران والعبور البحري بلغت مستويات غير مسبوقة، تجعل عائلة مهاجرة مضطرة لإنفاق آلاف اليوروهات لعبور المتوسط، لكن الصدمة الكبرى تنتظرهم في الداخل حيث كراء الشقق يضاعف ثمنه ثلاث مرات في المدن السياحية، والفنادق ترفع أسعارها بلا حسيب، والمطاعم تفرض أثمنة صادمة على وجبات عادية، حتى فنجان القهوة البسيط صار رمزا للفوضى، إذ تضاعف ثمنه إلى ثلاث مرات في موسم الصيف، فقط لأن الجالية عادت والسياح تدفقوا.
الأمر لم يعد يتعلق بالمهاجر فقط، فالسائح المغربي بدوره صار أسير معادلة الغلاء، رحلة قصيرة إلى أكادير أو طنجة قد تكلفه أكثر من تذكرة سفر نحو إسبانيا أو تركيا، حيث يحصل على جودة خدمات أفضل مقابل كلفة أقل، وهنا يطرح السؤال، هل صار المغرب أغلى من أوروبا؟
بيروقراطية ومتاعب لا تنتهي
المفارقة أن الغلاء ليس وحده المشكلة فالمهاجر، وبعد أن يدفع كل هذه التكاليف، يجد نفسه أمام عراقيل عند المعابر، تتجلى في انتظار طويل، ومساطر معقدة، وتجربة حدودية لا تليق بشعار “مرحبا”، أما السائح المحلي، فمعاناته تبدأ من الحجز وتنتهي عند خدمة سياحية متواضعة لا تعكس حجم ما يدفعه.
حين تفوز الوجهات الأخرى
في عالم مفتوح، المقارنة صارت قاسي، فوجهات متوسطية وآسيوية تقدم عروض مغرية بأسعار أقل وخدمات راقية، والنتيجة؟ مهاجر يفكر في عطلة بديلة، وسائح داخلي يختار الطيران نحو وجهات أجنبية بدل مواجهة استنزاف جيبه في وطنه.
خسائر تتجاوز الاقتصاد
هذه الظاهرة ليست مجرد أزمة موسمية، بل هي إنذار بخسارة المغرب لثقة أبنائه في الخارج وزواره في الداخل؛ فهل يكفي رفع شعارات الترحيب في ظل واقع يسوده الغلاء والجشع وغياب الرقابة؟
قبل أن يفوت الأوان
الحل لن يأتي من الحملات الترويجية، بل من قرارات حقيقية، تنعكس على أرض الواقع بضبط أسعار النقل، ومراقبة السوق السياحية، وردع المضاربين، وتحسين الخدمات، والأهم، تغيير النظرة التي تختزل الجالية والسائح في “بقرة حلوب”، بدل اعتبارهما رافعة للتنمية والاقتصاد.