سوس ماسة..حين تتحول حيوية “الأمن المائي” إلى غنيمة للشركات
20/08/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
أقدمت إحدى كبريات الشركات الفلاحية بسوس ماسة على حفر خنادق وسط طريق عمومية لتمرير قنوات مياه السقي بين ضيعتين، الأولى بجماعة إنشادن والثانية بجماعة أيت اعميرة، بإقليم اشتوكة أيت باها.
وجرت العملية دون ترخيص أو احترام للقوانين، ما يكشف استهتارا بسلامة البنية التحتية، بل و عن عقلية استغلالية ترى في الماء والملك العمومي مجرد “مواد خام” قابلة للاحتكار، حتى ولو كان الثمن هو تهديد الأمن المائي للمنطقة.
الماء.. من حق عمومي إلى امتياز خاص
المفارقة الصارخة أن هذه الممارسات تجري في إقليم يعيش واحدة من أشد الأزمات المائية في تاريخه، فحسب أرقام وزارة التجهيز والماء، بلغت نسبة ملء السدود الوطنية إلى حدود غشت 2024 حوالي 23% فقط، فيما يعيش سد يوسف بن تاشفين، الذي يمد منطقة سوس ماسة بالمياه، على وقع جفاف غير مسبوق، إذ لم تتجاوز نسبة ملئه 11%، ورغم هذه الأرقام المقلقة، تُصر الشركات الكبرى على استنزاف ما تبقى من المياه الجوفية لنقلها عبر شاحنات صهريجية ضخمة من أجل سقي آلاف الهكتارات من الأفوكا والبطيخ الأحمر الموجه للتصدير، بينما يواجه صغار الفلاحين والساكنة المحلية عطشا خانقا.
الأمن المائي خط أحمر.. على الورق فقط
نددت الساكنة الغاضبة من جماعتي إنشادن وأيت اعميرة، بما وصفته بـ”النهب المنظم للماء”، معتبرة أن الأمر لم يعد مجرد خرق قانوني عابر، بل مساس مباشر بما تسميه الدولة نفسها في استراتيجياتها بـ”الأمن المائي”، بينما في الواقع، الأمن المائي صار بضاعة تفاوضية بين لوبيات الفلاحة التصديرية والسلطات.
العدالة المائية.. شعار بلا مضمون
و فيما يتساأل أهالي المنطقة بمرارة: كيف يُسمح للشركات الكبرى بمد قنوات تحت الطرقات وشحن المياه في شاحنات عملاقة، تفرض الدولة قيودا صارمة على استهلاك الأسر البسيطة للماء وتلوّح بقطع التزود عند تجاوز الاستهلاك “المنزلي” المحدد؟ أين هي العدالة المائية التي يتغنى بها المسؤولون في خطاباتهم؟ وهل يُعقل أن تتحول حقوق السكان الأساسية إلى “كلفة جانبية” لمشروع فلاحي يُدر بالملايير لجيوب النخبة على حساب البيئة والإنسان؟
الدولة بين الخطاب والواقع
و في ذات السياق دعت الهيئات الجمعوية ومتتبعو الشأن المحلي إلى تشديد المراقبة ومحاسبة المخالفين،
لكن في ظل استمرار هذه السياسات، يتضح أن الماء في المغرب لم يعد حقا دستوريا، بل امتيازا طبقيا، فالكبار يروون ضيعاتهم بأحدث التقنيات وبأكبر الحصص، فيما الصغار يقتاتون على “قطرات النجاة”،.. وبين خطاب “الأمن المائي” ومشهد الحفر العشوائي وسط الطرق، يُتأكد أن الدولة تحرس على الدوام مصالح الكبار، وتترك البسطاء يواجهون العطش والجفاف، تماما كما تتركهم يواجهون الغلاء والهشاشة.