رأي/ كرونيك
لا للعبث… مستقبل الوطن تحت الهروات.. !!
في الزمن الذي سموه بسنوات الجمر والرصاص، كنا نعرف أن ما تعرضنا له من قهر وقمع وعنف بكل الأشكال التي يتقزز لها الشعور الإنساني، كان نتيجة حتمية للاستبداد والجبروت، وغياب كلي لأبسط الحقوق الإنسانية، وانعدام كامل لأي شكل من أشكال الديمقراطية، مما جعل نضال جيلنا موجه بصورة واضحة وعارية ضد النظام السياسي الذي أرساه الملك الراحل، الحسن الثاني، والذي تمحور حول المطلب الحقوقي والديمقراطي، كمدخل ضروري لمطالب الكرامة والعدالة والمساواة، من خلال تحويل النظام السياسي المغربي، من حكم الشخص والأشخاص، إلى حكم المؤسسات، ومن مجتمع في خدمة الدولة، إلى دولة في خدمة المجتمع.
مع انتقال الحكم من الحسن الثاني إلى ولي عهده، طالعتنا الشعارات التي أطلقها العهد الجديد، وتعاملنا معها بالحذر المتفائل نسبيا. وكان الإنصاف والمصالحة، وما تلاهما من جبر للضرر والتعهد بعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتلا ذلك ما عرف ب” الربيع العربي ” وخطاب 9 مارس 2011 والدستور الجديد… الذي لم يبلغ إلى الملكية البرلمانية، لكنه شكل بوابة الأمل في أن المغرب قد سجل دخوله المحتشم إلى مصاف الدول السائرة في طريق الديمقراطية التي تحاول الاشتغال من خلال المؤسسات وعبر مكونات دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة .
وجاءت الاحتجاجات الشعبية حول مطالب مشروعة في العديد من المناطق المغربية، الحسيمة وجرادة وسيدي افني… والعديد من الشرائح المجتمعية طلبة أساتذة أطباء عمالا عاطلين…وكانت هذه الحركات الاجتماعية الجواب الكافي حول سؤالين: سؤال الانتقال الديمقراطي وسؤال من يحكم؟
لقد كشفت الممارسات القمعية والاستبدادية التي تجاوزت فيها الدولة حقها في ” شرعية العنف ” الذي يضمن المحافظة على الأمن، إلى أن هذا الانتقال لم يكن سوى شعارا ظرفيا فقد صلاحيته، وأن دستور 2011 لم يتجاوز حدود صياغته حتى في أبسط ما جاء به من ضمانات.
وأن الانتقال إلى دولة المؤسسات لم يكن سوى حلم واهم، وأن حكم الشخص والأشخاص هو الذي يسود كما كان في عهد الحسن الثاني. وأن المؤسسات الحقيقية للدولة اليوم، هي المؤسسة الملكية من جهة، ومؤسسة الشارع من جهة ثانية، الأولى حاكمة، والثانية محكومة، ولا وجود لا لسلطة تشريعية ولا سلطة تنفيذية ولا قضائية… وبالتالي لا وجود لمؤسسات الوساطة والتأطير من أحزاب ونقابات…
ما معنى أن يحتج المواطنون والمواطنات ويرفعون صور الملك ويدعون له بالنصر؟.
المعنى الوحيد لهذا الموقف هو انعدام وجود الحكومة والبرلمان والقضاء. ولا يوجد سوى الشعب المحتج والملك الحاكم بأمره، والذي وبخ وعاتب وأدان في الكثير من المناسبات أدوات حكمه من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين وأحزاب ونقابات….وأمام هذا الأمر فإن ما يتعرض له المواطنون والمواطنات هو مسؤولية نظام سياسي بأكمله وعلى رأسه ما ينص عليه الفصل 42 من دستور 2011، الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.•