رأي/ كرونيك

أسْلمة المسيرات إساءة للقضية الفلسطينية

سعيد الكحل كاتب وباحث

تنظيم المسيرات الداعمة للقضايا العربية/الإسلامية العادلة أو المناهضة لسياسة الاستيطان ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والأمن والسيادة على القدس والأراضي التي احتلتها إسرائيل في يونيو 1967، أمر يدل على حيوية الشعب المغربي وقواه السياسية والمدنية.

فالمغرب، ومنذ الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وتشريد شعبها، وهو يدعم النضال الفلسطيني دون الاتجار بقضيته أو تأجيج الاحتراب الداخلي بين الفصائل.

فقد حافظ المغرب دائما على حياده وعلى نفس المسافة من كل الفصائل.  لكن مع غزو الأسلمة للمجتمع، فقدت المسيرات “القومية” بُعدها القومي وحادت عن هدفها التحرري بعد أن خصخصتها تنظيمات الإسلام السياسي على مستوى التنظيم والتأطير وصياغة الشعارات.

وبذلك صارت الدعوة إلى المسيرات القومية مناسبة لتوجيه الرسائل إلى من يهمهم الأمر عدا الصهاينة المحتلين للأرض الفلسطينية. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الرسائل كالتالي

: 1 ــ رسائل إلى النظام/الدولة : تجدر الإشارة إلى أن التنظيمات الإسلامية تميز بين الدولة وبين الحكومة، وسواء كان الإسلاميون مشاركين في الحكومة أو خارجها، فهم جميعا يتصرفون، خلال المسيرات والتجمعات، كمعارضين للدولة وضحايا لسياساتها.

لهذا يلتقي إسلاميو الحكومة وإسلاميو المعارضة في نفس المواقف والشعارات ؛ من ذلك انتقاداتهم الشديدة مثلا لوزير الخارجية إثر تصريحاته الأخيرة حول “صفقة القرن” أو السماح لممثلي إسرائيل بحضور عدد من التظاهرات الدولية التي احتضنها المغرب ( حضور عامير بيريز، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إلى مجلس المستشارين في 8أكتوبر 2017، للمشاركة في المناظرة البرلمانية الدولية حول موضوع “تسهيل التجارة والاستثمارات في المنطقة المتوسطية وإفريقيا”؛ الأمر الذي انتقده نبيل الشيخي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، معتبرا أن “الأمر دبر خارج هياكل المجلس”.

ويريد الإسلاميون توجيه الرسائل التالية:

أ ــ إن الإسلاميين يشكلون قوة عددية واجتماعية وسياسية لا يمكن تهميشها أو الاستفراد بالقرار دون إشراكها أو استشارتها،  في هذا الإطار كانت تهديدات حزب العدالة والتنمية إلى الدولة في حالة تم إقرار حرية الاعتقاد في الدستور أو عدم التنصيص على كون الإسلام دين الدولة.  فرضخت الدولة واغْتر الإسلاميون.

ب ــ إن الإسلاميين ليسوا قوة سلبية تعطل حركية/حيوية المجتمع، بل قوة فاعلة يمكن أن تجنِّد آلاف المواطنين من أجل قضايا معينة (داخلية أو قومية).

ويمكن هنا التذكير بمسيرة 12 ماس 2000 بالدار البيضاء التي نظمها الإسلاميون ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، أو الصلاة في الشواطئ التي دعت إليها جماعة العدل والإحسان.

2ــ رسائل إلى الأحزاب السياسية، ومن أبرزها :

ــ اتساع القاعدة الشعبية للإسلاميين لدرجة باتوا يزعمون معها أنهم هم من يمثلون الشعب المغربي ويعبرون عن طموحاته، كما يزايدون على خصومهم بالاحتكام إلى الاستفتاء العام للشعب في كل قضية خلافية

( ولاية المرأة على نفسها في الزواج، الإجهاض، حرية الاعتقاد). .

 

ب ــ إيهام الأحزاب أنها باتت تمثل الأقلية بعد أن فقدت قواعدها وصارت عاجزة عن استعراض قوتها العددية في المظاهرات والمسيرات.

وليس أمام هذه الأحزاب سوى الالتحاق بالتنظيمات الإسلامية والخضوع لأوامرها وأن تكون لها ذيلا في المعارك السياسية (من هنا عبارة “التبوريد” التي قالها بنكيران أمام البرلمانيين معناها ).

ج ــ إن الاختلاف بين الإسلاميين يظل ثانويا ولا يمكن الرهان عليه من طرف الخصوم،  فالقضايا التي يعتبرونها مصيرية بالنسبة إليهم توحدهم ضد خصومهم وفقا لمبدأ “أنا وابن عمي ضد الغريب”؛ ولنا في معركة الدستور أو خطة إدماج المرأة في التنمية أو مسألة رفع التجريم عن الإجهاض الإرادي أمثلة حية لهذا التحالف العضوي.

3 ــ رسائل إلى القوى الدولية مفادها أن الإسلاميين هم القوة الشعبية البديلة التي يمكن مخاطبتها والاعتماد عليها في رعاية المصالح وخدمتها. وهذا ما أثبتته تجربة البيجيدي على رأس الحكومة بأن رهنت المغرب ،اقتصاديا وسياسيا، بيد الدوائر المالية الدولية.

. 4 ــ رسائل إلى عموم المواطنين يراد بها إيهامهم بأن الإسلاميين يشكلون القوة السياسية الكبرى التي ستظل تحسم المعارك الانتخابية لصالحها ؛ ومن ثم التأثير على اختياراتهم الانتخابية والسعي لاستقطابهم إلى صفوفها.  إذن، هي مسيرات استعراض “القوة” وليس الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ؟ فأين فلسطين من كل هذه الرسائل ؟ ما ينبغي الانتباه إليه هو أن الشعارات التي رفعها الإسلاميون خلال مسيرة الأحد 9 فبراير الجاري وسابقاتها لا تخدم القضية الفلسطينية ولا وحدة الشعب المغربي ولا قيم المواطنة.

فكيف لشعار عنصري مثل “الله اكبر عاصفة على اليهود ناسفة” أن يخدم القضية الفلسطينية وهو يحرض على القتل والتدمير؟ وكيف لشعار “خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سيعود” أن يخدم الفلسطينيين وهو يقدمهم كأصحاب مشروع سيبيد كل اليهود أيا كانت قناعاتهم؟ أكيد أن رفع هذه الشعارات العنصرية التي لا تميز بين اليهود أعداء الصهيونية وداعمي القضية الفلسطينية وبين الصهاينة دليل على هيمنة التيار الإسلامي على المسيرات وذيلية باقي التنظيمات الحزبية والنقابية.

وهذا الوضع يضر بسمعة المغرب وتاريخه وحضارته وثقافة التسامح والتعايش وحوار الأديان التي ميزته على مر العصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى