الرئسيةميديا وإعلام

هيئات نقابية ومهنية تحمل الحكومة مسؤولية الفراغ في قطاع الصحافة والنشر

أصدرت هيئات نقابية ومهنية لقطاع الصحافة والنشر، بلاغاً مشتركاً بتاريخ السادس من أكتوبر 2025، عبّرت فيه عن قلقها البالغ من استمرار حالة الفراغ القانوني والتنظيمي التي يعيشها المجلس الوطني للصحافة منذ انتهاء ولاية اللجنة المؤقتة المحدثة بموجب القانون رقم 15.24.

وجاء هذا البلاغ بعد انتهاء فترة انتداب اللجنة المؤقتة المحددة في سنتين دون تجديد تركيبتها أو اتخاذ أي خطوات عملية لتدارك الوضع، ما أدى إلى تعطيل مؤسسة التنظيم الذاتي للصحافة، التي يفترض أن تضطلع بأدوار مركزية في ضمان استقلالية المهنة وتنظيمها.

انتهاء صلاحيات اللجنة المؤقتة وغياب الحلول الحكومية

أكدت الهيئات النقابية والمهنية أن اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر أنهت مهامها القانونية بداية شهر أكتوبر 2025، وفق ما نص عليه القانون، غير أن الحكومة لم تبادر إلى تجديد تركيبتها أو تفعيل بديل قانوني يضمن استمرارية مؤسسة التنظيم الذاتي.

وأوضحت أن هذا الوضع أدى إلى ما وصفته بـ”الفراغ في معانيه القانونية والعملية والأخلاقية”، حيث أصبحت المؤسسة خارج أي إطار شرعي أو تنظيمي، في غياب أي مخرج أو رؤية حكومية واضحة لتجاوز الأزمة.

وشددت الهيئات، والمكونة من: (النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال (UMT)، النقابة الوطنية للإعلام والصحافة (CDT)، والكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني)، على أن هذا الفراغ لا يمثل فقط خللاً إدارياً، بل يعكس فشلاً مؤسسياً في تدبير واحد من أهم القطاعات الحيوية المرتبطة بحرية الصحافة وحق المواطنين في المعلومة، مشيرة إلى أن الحكومة ووزير الاتصال لم يقدما أي تصور عملي أو مبادرة تشريعية لضمان استمرارية مؤسسة التنظيم الذاتي أو تطويرها بما يتناسب مع التحولات التي يشهدها المجال الإعلامي.

من المجلس الوطني إلى اللجنة المؤقتة: تراكم للأزمات

هذا و استحضرت الهيئات المهنية في بلاغها المسار الطويل للأزمة التي بدأت منذ نهاية الولاية القانونية للمجلس الوطني للصحافة سنة 2022، حين تم التمديد له مؤقتاً لمدة ستة أشهر لتنظيم انتخابات تجديد هياكله، قبل أن تتدخل الحكومة لتعيين لجنة مؤقتة لتسيير شؤونه، غير أن هذه اللجنة، وفق البلاغ، لم تتمكن خلال فترة عملها من تجاوز حالة الانحباس القانوني والمسطري التي تعيق القطاع منذ سنوات، رغم المراسلات العديدة التي وجهتها الهيئات المهنية للحكومة لتنبيهها إلى خطورة استمرار هذا الوضع.

وأشارت الوثيقة إلى أن السنتين المخصصتين للجنة المؤقتة لم تشهدا أي تقدم ملموس في إصلاح القطاع، بل زادت من حدة التوتر داخله، بسبب ما وصفته الهيئات بـ”التصرفات الاستبدادية والممارسات الإدارية التي شوهت صورة المجلس وأضعفت مصداقية مؤسساته”، كما حملت الهيئات المهنية وزارة الاتصال مسؤولية “إهدار الوقت عبر المناورات وخلق الأزمات”، وغياب أي حوار حقيقي مع ممثلي الصحافيين والناشرين، رغم النداءات المتكررة لفتح نقاش تشاركي يفضي إلى إصلاح فعلي وشامل.

مشروع قانون مثير للجدل ورفض مهني واسع

كما تطرق البلاغ إلى مشروع القانون الجديد الذي صاغته وزارة الاتصال لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، معتبرة أن إعداد المشروع تم في غياب مقاربة تشاركية مع الهيئات المهنية والنقابية، وهو ما وصفته الهيئات بالسلوك “الأحادي وغير المنتج”، وأبرز البلاغ أن المشروع قوبل برفض واسع من الجسم الصحافي، إذ عبرت الأغلبية الساحقة من المهنيين والمركزيات النقابية والمنظمات الحقوقية، إلى جانب خمسة وزراء اتصال سابقين، عن معارضتهم له، كما انتقدته مؤسستان دستوريتان أبدتا ملاحظات سلبية بشأنه في إطار الاستشارة القانونية.

ورأت الهيئات النقابية أن هذا الرفض الواسع يمثل دليلاً واضحاً على فشل اللجنة المؤقتة ووزارة الاتصال والحكومة في بلورة رؤية إصلاحية متكاملة، كما يعكس تمسك المهنة باستقلاليتها ورفضها لأي محاولة للهيمنة أو التحكم في شؤونها.

تحميل الحكومة المسؤولية والدعوة إلى تدخل عاجل

في ختام بلاغها، حملت المنظمات المهنية للصحافيين والناشرين الحكومة المسؤولية الكاملة عن الفراغ القانوني الذي يشهده القطاع، مؤكدة أن اللجنة المؤقتة أصبحت، مع بداية أكتوبر 2025، غير قانونية وغير شرعية، ولا تمتلك أي صفة تمكنها من مواصلة أداء مهامها، وطالبت الحكومة بتحمل مسؤولياتها القانونية والإدارية في تسيير شؤون القطاع وفق مقتضيات القانون، ورفضت أي محاولة لإحداث مؤسسات موازية خارج الإطار المؤسساتي للدولة، معتبرة أن ذلك سيشكل خطراً على استقلالية الصحافة وعلى مبدأ التنظيم الذاتي الذي أقره الدستور المغربي.

كما دعت الهيئات إلى تدخل عاجل من كافة المسؤولين لإنهاء حالة الاستثناء التي يعيشها القطاع، عبر فتح حوار وطني واسع مع الممثلين الحقيقيين للصحافيين والناشرين، بهدف التوصل إلى توافق شامل يضمن إصلاحاً مستداماً ومنسجماً مع روح الدستور ومبادئ الحرية والمسؤولية.

نحو رؤية وطنية لإصلاح شامل

كما حذرت من مغبة الاستمرار في ما وصفته بـ”التيه التنظيمي”، في ظل اقتراب موعد تجديد البطاقات المهنية للصحافيين، معتبرة أن أي تأخير إضافي في معالجة هذا الملف من شأنه أن يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي ويضعف الثقة في مؤسساته..

وفي المقابل، رأت أن الحل يكمن في التوافق الوطني والمهني على آلية ديمقراطية لإعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة تضمن مشاركة كل الفاعلين وتكرس مبادئ الاستقلالية والمسؤولية المهنية.

بهذا، يعيد البلاغ النقابي والمجتمعي طرح سؤال الإصلاح الجدي لقطاع الصحافة بالمغرب، في لحظة دقيقة تتقاطع فيها الاعتبارات القانونية والمؤسساتية مع رهانات المهنة وحرية التعبير، مما يجعل المرحلة المقبلة اختباراً حقيقياً لإرادة الدولة في ترسيخ صحافة حرة، مهنية، ومسؤولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى