
لم يكن عبد الرحيم، البالغ من العمر 23 سنة، يحمل سلاحًا، ولا كان يثير شغبًا، كلّ ما فعله أنه حمل الكاميرا، كعادته منذ أن تخرّج من المعهد المتخصص في مهن السينما بورزازات.
فضوله المهني أخرجه
خرج يوم الأول من أكتوبر إلى شوارع القليعة، يحمل حلمه وفضوله المهني لتوثيق ما يجري من احتجاجات، قبل أن تخترق رصاصة حيّة رأسه، وتضع حدا لكل شيء لمستقبله، لأحلامه، ولحياته التي كانت في بدايتها.
من معهد السينما إلى حلم الزيّ الرسمي
عبد الرحيم، خريج معهد السينما، كان يؤمن بأن الصورة يمكن أن تُغيّر العالم، أحبّ الكاميرا منذ صغره، وسعى لتطوير مهاراته في الإخراج والتصوير، متنقلاً بين دوار بجماعة واد الصفا ، والقليعة وأكادير أوفلا باحثًا عن فرصة تثبت موهبته.
ورغم عشقه للفن، لم يكن غافلاً عن قسوة الواقع، فكان يسعى أيضا إلى وظيفة تضمن له الاستقرار.
قبل أيام قليلة من وفاته، تحديدًا في 27 شتنبر 2025، تقدّم بطلب التسجيل في مباراة الالتحاق بالأمن الوطني، املا أن يجمع بين حبّه للعدسة وحلمه بخدمة الوطن.
وفي الوقت نفسه، سجّل في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة لمتابعة دراسته الجامعية، وكأن القدر كان يُعدّ له أكثر من طريق واحد نحو الغد، لكن الرصاصة كانت أسرع من أحلامه.
لحظة الموت الموثّقة
في اليوم الأول من أكتوبر، خرج عبد الرحيم إلى الميدان، أراد أن يوثّق الأحداث التي كانت تهزّ القليعة، بعد تدخلات أمنية لفضّ احتجاجات شبابية،
لم يكن في صفّ من يرشق أو يخرب، بل في صفّ من يوثّق ويحاول أن يفهم.
لكنّ رصاصة طائشة أو مقصودة في انتظار التحقيق أصابته في الرأس، فسقط مضرجا بدمه أمام عيون من كانوا يصرخون لأجل الكرامة والعدالة.
نُقل إلى المستشفى، لكن الإصابات كانت قاتلة، وفي غضون ساعات، تحوّل حلم المخرج الشاب إلى رقم جديد في سجلّ العنف، وذكرى ثقيلة لعائلة ما زالت تنتظر العدالة.
عائلة تطلب الحقيقة
عائلة عبد الرحيم تعيش اليوم بين الصدمة والذهول، والده ما زال غير قادر على تصديق أن ابنها الذي ودّعها بابتسامة وموعدٍ للعودة، عاد ملفوفًا في كفن.
العائلة تطالب بتحقيق جديّ، لا لتصفية حساب، بل لمعرفة الحقيقة
من أطلق الرصاصة؟ ولماذا؟ وهل كان هناك خطر فعلي يبرر إطلاق النار على شاب أعزل يحمل كاميرا لا أكثر؟
حين تُقتل الصورة
مفارقة موجعة الشاب الذي عاش لأجل الصورة، مات بسببها،
كان يوثّق مشهدًا أراد أن يرويه للعالم، فصار هو نفسه المشهد الذي يُروى.
رصاصة واحدة أغلقت عينيه، لكن فتحت أسئلة كثيرة حول معنى الأمن، والعدالة، وحدود القوة حين تواجه الكلمة أو العدسة،”قبرت الرصاصة أحلامه، لكن صوته باق”.
عبد الرحيم لم يمت وحده، ماتت معه أحلام كثيرة تشبهه، لشباب يدرسون ويكافحون ويأملون في وطنٍ يتسع لأحلامهم.
لكن موته، المؤلم والمجاني، يجب ألا يمرّ كخبر عابر
لأن ما جرى في القليعة ليس حادثا معزولا، بل مرآةٌ لواقع يحتاج إلى مساءلة ومصالحة مع جيلٍ لم يعد يخاف أن يرى أو أن يُرى.