الرئسيةرأي/ كرونيك

التهميش والإقصاء…هل تُعاقَب فجيج لأنها تحتج؟

بقلم: عبد الحفيظ بوبكري – باريس

تعيش واحة فجيج، أقصى الشرق المغربي، حالة غير مسبوقة من التهميش والإقصاء، أثارت استغراب ساكنتها ومتابعي الشأن المحلي، بعد أن غابت عن مؤتمرات وطنية ودولية تعنى أساسًا بمستقبل الواحات المغربية، من بينها المؤتمر الدولي السادس حول الأمن المائي والسيادة الغذائية الذي احتضنته ورزازات يومي 29 و30 يونيو 2024، من تنظيم المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية.

ورغم أن فجيج تُعد من أكثر الواحات تضررًا من الجفاف والإجهاد المائي، فإنها لم تُدرج ضمن لائحة المشاركين، لا من طرف المؤسسات المنتخبة، ولا من المجتمع المدني، ولا حتى من خلال تمثيل رمزي في الجلسات العامة، وتكرّر مشهد الإقصاء ذاته خلال اللقاء الجهوي المنظَّم بوجدة حول تحديات الجفاف في جهة الشرق، حيث طُرحت قضية اندثار الواحات دون أن يُسمع صوت فجيج.

إقصاء يمتد إلى الثقافة والتنمية

لم يتوقف التهميش عند البعد البيئي، بل امتد إلى المجال الثقافي. فقد تم نقل مهرجان فنون الواحات من فجيج إلى بوعنان، رغم أنه كان مناسبة سنوية لإبراز الموروث الفني والثقافي المحلي. خطوةٌ اعتبرها أبناء الواحة “رسالة تهميش إضافية” في حق مدينتهم. كما تم استبعاد فجيج من برامج الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجرة الأركان، ومن مشاريع مجلس جهة الشرق الخاصة بالكهرباء والماء والبنية التحتية بالعالم القروي، رغم هشاشة أوضاعها.

وفي 25 يوليوز من السنة الماضية، أثار غياب وزير الصحة عن تدشين مستشفى القرب بفجيج، واكتفاؤه بإطلاقه عن بعد، موجة استياء واسعة، رأت فيها الساكنة استخفافًا بمشاعرها الوطنية والتنموية.

اليوم، لا مقالع رمال تشتغل، ولا أوراش بناء مفتوحة، ولا يد عاملة محلية تُشغّل كما في السابق. أصبحت الواحة، كما يقول بعض سكانها، “فضاءً صامتًا يعيش حصارًا غير معلن”.

احتجاجات سلمية… وعقاب صامت

يرى متتبعون أن هذا الإقصاء الممنهج ليس صدفة، بل قد يكون ردًّا غير معلن على احتجاجات سكان فجيج قبل أشهر ضد ما وصفوه بـ“تفويت غير عادل” لمواردهم المائية لصالح شركة “الشرق للتوزيع”. ومنذ تلك الوقفة السلمية التي طالبت بحماية مياه الواحة، تسود قناعة وسط الأهالي بأن مدينتهم تُعاقَب في صمت، عبر تغييبها عن كل المبادرات والمشاريع ذات الطابع البيئي أو التنموي.

ورغم أن احتجاجاتهم كانت مؤطّرة ومشروعة، فإن التعامل الرسمي معها اتسم بالتجاهل، بل وبالابتعاد المتعمّد عن إشراك الواحة في النقاش الوطني حول الأمن المائي.

واحة منسية على تخوم الوطن

وفي دورة أكتوبر الأخيرة، صادق مجلس جهة الشرق على مشاريع تنموية متعددة لفائدة جماعات إقليم فجيج، باستثناء جماعة فجيج نفسها، ما زاد من حدة التساؤلات حول نية بعض الجهات في تحويلها إلى منطقة “منسية”، بعد أن كانت لعقود رمزًا للصمود والعيش المشترك على تخوم الصحراء الشرقية.

فجيج ليست مجرد بلدة حدودية متاخمة للجزائر، بل هي واحدة من أقدم الواحات المغربية، ذات تاريخ طويل في الزراعة الواحية والتبادل الثقافي. واليوم، تجد نفسها خارج خرائط التنمية، رغم موقعها الجيوسياسي الحساس، ورغم أن الحفاظ عليها قضية وطنية تتعلق بالسيادة الترابية والبيئية معًا.

صوت الهامش الغائب

يقول أحد الفاعلين المحليين: “ما يحدث ليس صدفة، بل سياسة صامتة تُقصي فجيج من كل شيء: من الماء، من المهرجانات، ومن المؤتمرات…”، مضيفًا أن “الواحة تختنق، والمجتمع المدني فيها يشعر بالعزلة، وكأنها تُعاقَب لأنها رفعت صوتها.”

قضية فجيج تُعيد طرح سؤال العدالة المجالية في المغرب بين ما يعد به النموذج التنموي الجديد، وما يعيشه الواقع من تهميش ممنهج للهامش. فعندما تُقصى مدينة مثل فجيج من مؤتمر يناقش مستقبل الواحات، فالرسالة التي تصل إلى ساكنتها ليست تقنية بل رمزية: أن صوت الهامش لا مكان له في قاعات القرار.

ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا في أن تتحرك الجهات المعنية – من الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجرة الأركان إلى مجلس جهة الشرق – لإعادة إدماج فجيج في البرامج الوطنية، ليس فقط باعتبارها منطقة حدودية، بل بوصفها تراثًا بيئيًا وثقافيًا وطنيًا يستحق الإنصات والدعم.

إن فجيج لا تطلب المستحيل، بل فقط الحق في أن تُسمَع… وألا تُعاقَب لأنها احتجّت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى