
تحرير: بثينة المكودي
من جديد، تكشف وزارة التربية الوطنية عن الوجه الحقيقي لبعض من مشاريعها، حين يتعلق الأمر بما تسميه «التحول الرقمي»، مشروع يُسوَّق على أنه بوابة التحديث، لكنه في الميدان لا يعدو أن يكون واجهة لتلميع صورة وزارة غارقة في التخبط، تُوزع الحواسيب على الأساتذة كما توزع الصدقات، دون رؤية، دون تجهيزات مرافقة، ودون حتى احترام للقانون.
في تزنيت، دقت الجامعة الوطنية للتعليم (FNE) ناقوس الخطر بعد أن تبيّن أن الحواسيب الموزعة على المدرسين والمدرسات تحتوي على نظام تشغيل وبرامج Microsoft Office بدون تراخيص قانونية، وكأن الوزارة تدفع شغيلة التعليم إلى ارتكاب مخالفة رقمية صريحة، أو اللجوء إلى مفاتيح مقرصنة لكسر الحماية واستعمال أدواتها.
عبث مؤلم في قطاع يفترض أنه يربي على قيم المواطنة واحترام القانون.
كيف يمكن الحديث عن «رقمنة التعليم» بينما الوزارة نفسها تضع أساتذتها في موقع مخالف للأخلاق المهنية والقانونية؟
كيف يطلب من المعلم أن يكون قدوة لتلامذته وهو مضطر إلى تشغيل برمجية مقرصنة كي يُنجز درسه؟
رقمنة من دون أدوات… ووزارة تبيع الوهم
لا مسلط عاكس في الفصول، ولا دعم تقني في الميدان، فقط حواسيب معطوبة أخلاقيا وتربويا.
مشروع «مؤسسة الريادة» الذي وُعد به الرأي العام ليكون رافعة للبيداغوجيا الرقمية، صار مثالًا على الرداءة والارتجال، فبدل أن يمكّن الأستاذ من أدوات العرض والتفاعل، تُلقي الوزارة عليه عبء التكيّف مع العجز المؤسسي، ثم تتحدث عن “تجويد التعلمات” في نشراتها الرسمية.
الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي ، لم تُخفِ غضبها بتحميل مباشر للمسؤولية، ورفضٌ صريح لـ«التحول الرقمي» المغشوش، ودعوة واضحة إلى اعتماد برمجيات حرة ومفتوحة المصدر (LibreOffice) تضمن الشرعية وتقلل الكلفة، بدل التورط في صفقات مشبوهة مع شركات تحتكر المعرفة وتبيعها بثمن سياسي واقتصادي باهظ.
لا رقمنة بدون رؤية… ولا تعليم بدون احترام
وتقول الجامعة في بلاغ لها إن ما يحدث اليوم ليس مجرد خطأ إداري، بل انحراف عن فلسفة التعليم العمومي نفسها.
فالمدرسة الرقمية ليست شعارا في بلاغ، بل منظومة تحتاج إلى تجهيزات، وتكوين مستمر، وتخطيط تشاركي، وحوار حقيقي مع الفاعلين الميدانيين، لا قرارات فوقية تُلقى من المكاتب المكيفة.
وزارة التعليم، وهي تغرق في خطاب الحداثة التقنية، تنسى أن التحول الرقمي لا يقاس بعدد الحواسيب الموزعة، بل بمدى استعداد الدولة لتأمين بيئة قانونية وأخلاقية ومهنية تليق بمربي الأجيال. وما لم يحدث ذلك، فسيظل هذا “التحول” مجرد ستار لستر الفشل، وشعارا أجوف يُغطي فراغ السياسات التعليمية الحالية.
في النهاية، لا يمكن الدفاع عن المدرسة العمومية دون الدفاع عن كرامة المدرسين والمدرسات، وعن حقهم في أدوات عمل قانونية وبيئة رقمية آمنة.
فالرقمنة بلا تراخيص، بلا تجهيزات، وبلا رؤية، ليست سوى رقمنة للفشل.