
عقد المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اجتماعاً استثنائياً عن بعد ليلة السبت، 25 أكتوبر 2025، خُصص لتدارس مضامين مشروع القانون رقم 59.21 المرتبط بالتعليم المدرسي، وقد خلص النقاش إلى اطلاق موجة من التحذيرات والمواقف الرافضة لما وصفه بـ“المنحى الخطير” الذي يسير فيه الإصلاح التربوي بالمغرب، معلناً رفضه القاطع لمضامين المشروع ومطالباً بسحبه الفوري من البرلمان وفتح نقاش وطني شامل حول مستقبل التعليم العمومي.
انفراد في القرار وتهميش للحوار الاجتماعي
أشارت النقابة في بيانها إلى أن وزارة التربية الوطنية أحالت مشروع القانون على المؤسسة التشريعية دون استشارة أو إشراك حقيقي للشركاء الاجتماعيين، وهو ما اعتبرته “خرقاً للمنهجية التشاركية ومساساً بروح الحوار الاجتماعي المؤسسي”، وأكدت أن هذه الخطوة تعكس مقاربة انفرادية تتعارض مع مبدأ الديمقراطية التشاركية الذي نص عليه الدستور، وتنسف كل ما رُفع من شعارات حول الدولة الاجتماعية والإصلاح الشامل للمنظومة التعليمية.
مشروع قانون يكرّس التراجع بدل الإصلاح
ورأت النقابة أن المشروع المقترح لا يحمل ملامح إصلاح حقيقي، بل يشكل تراجعاً عن المكتسبات التاريخية للمدرسة العمومية، من خلال إتاحة المزيد من الامتيازات للقطاع الخاص، وتقنين التشغيل الهش في التعليم الأولي والاستدراكي، مما يهدد الاستقرار المهني والاجتماعي للأطر التربوية، واعتبرت أن هذا التوجه يعمق الفوارق الاجتماعية ويُحوّل التعليم إلى سلعة تُدار بمنطق السوق بدل أن يظل خدمة عمومية موجّهة لجميع أبناء الشعب المغربي.
غياب المجانية وتغليب منطق السوق
بيان النقابة توقف مطولاً عند ما اعتبره “تحولاً جوهرياً في فلسفة القانون” ، إذ لم يتضمن المشروع أي تأكيد صريح على مجانية التعليم، بل ركّز على مفاهيم مثل “تنويع مصادر التمويل” و”المدرسة الشريكة” و” الشراكة بين القطاعين العام والخاص” ، وهي إشارات ترى فيها النقابة تمهيداً واضحاً لفرض رسوم أو مساهمات مالية على الأسر.. وتؤكد أن هذا التوجه يشكل مساساً خطيراً بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، ويقوّض أحد أعمدة العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها المرفق العمومي.
انتقادات لغياب الوعي بالمرحلة
وفي سياق نقدها لتوقيت إحالة المشروع على البرلمان، أوضحت النقابة أن الظرفية الوطنية تتسم بتنامي حراك شبابي ومجتمعي يطالب بتحسين التعليم والصحة ومحاربة الفساد، ما يجعل تمرير مشروع من هذا النوع دون توافق وطني “دليلاً على غياب الوعي السياسي والبعد التاريخي في معالجة قضايا الوطن” ، وأضافت أن التعامل التقني البارد مع ملف التعليم يعكس استمرار مقاربة ضيقة لا تستوعب حجم التحديات المجتمعية المرتبطة بالمدرسة المغربية.
دعوة إلى تعبئة وطنية شاملة
وفي ختام بيانها، وجهت النقابة الوطنية للتعليم نداءً إلى مختلف القوى الوطنية من نقابات وأحزاب وجمعيات مدنية، إلى جانب أولياء أمور التلاميذ والطلبة، من أجل توحيد الجهود والتصدي لما وصفته بـ”محاولة الالتفاف على المدرسة العمومية ومبدأ المجانية” ، وأعلنت استعدادها لخوض كافة الأشكال النضالية المشروعة دفاعاً عن الحق في تعليم جيد ومجاني يضمن العدالة والكرامة لأبناء المغاربة.
سياق عام متوتر داخل المنظومة التعليمية
تأتي هذه المواقف في سياق عام يتسم بتصاعد الاحتقان داخل الأوساط التعليمية، بسبب تدهور الأوضاع المادية والمهنية للأساتذة، وتراجع الثقة في مسار الإصلاحات التربوية، واستمرار غياب حوار حقيقي بين الوزارة والنقابات.
ويُجمع متتبعون على أن هذا الخلاف الجديد بين الوزير والنقابات يعمّق الأزمة القائمة، ويعيد إلى الواجهة سؤال جوهري حول أي مستقبل للتعليم العمومي في ظل خيارات سياسية واقتصادية متباينة حول دوره وحدود مسؤوليته الاجتماعية.




