رمضانيات: جيل جيلالة توصل فن الملحون إلى القرى والمداشر (فيديو)
كان لجيل جيلالة فضل كبير في نشر فن الملحون عبر ربوع المغرب والمغرب العربي، وهو إسهام لا ينكره أحد، فالمجموعة تمكنت من إدخال هذا اللون الفني إلى قلوب الجميع، في المداشر والقرى والحواضر، وقربته من الشباب، الذي لم يكن يستهويه فن الملحون، بسبب طريقة إنشاده من طرف الشيوخ، والتي عدت «رتيبة» كما يرى هؤلاء، وكما حببت جيل جيلالة الملحون إلى الشباب، وقربتهم من إيقاعاته ومضامينه، فإنها لفتت نظر الباحثين والمثقفين ومؤرخين الفن إلى هذا التراث، حيث أُنْجزتْ في الموضوع أبحاث ودراسات عالجت الجانب الفني والمضموني.
https://www.youtube.com/watch?v=Bkgfb0XBaJ0
ولأن أفراد مجموعة جيل جيلالة، ينحدرون من مدينة مراكش، المعروفة برجالات الملحون وبفرقها التراثية، فقد كانوا يحفظون غير قليل من قصائد الملحون ويرددونها، وعلى رأسهم مولاي عبد العزيز الطاهري، الذي كان مولعا بهذا التراث الفني، ومن الباحثين فيه، بل ومن حفظته والعارفين بكنهه وأعماقه الثرية .
أثناء الجلسات الحميمية واللقاءات الخاصة، كان أفراد جيل جيلالة يؤدون مقاطع من الملحون، وكانت هذه القصائد تعجب الحاضرين، الذين اقترحوا، غير ما مرة، على جيل جيلالة التعاطي مع الملحون وإصدار أعمال بنفس ملحوني.
الصعوبات التي طرحت على أفراد المجموعة قبل الدخول في هذه التجربة كانت متشعبة، فمن الناحية الفنية، معروف أن قصائد الملحون طويلة جدا، كما أن معظم الأبيات الشعرية غير مفهومة بالنسبة للمتلقي العادي، وبالتالي هذا يستلزم بحثا مضنيا للعثور على قصائد مفهومة وسلسة، لأن الفكرة التي تم رسمها من طرف المجموعة، هي إهداء باقة من فن الملحون للجمهور كي يتعرف على كنوز تراث وطنه.
الصعوبة الأخرى التي واجهت جيل جيلالة، هو كيف سيستقبل رواد الملحون الفكرة؟ فهؤلاء يعتبرون بأن لهذا اللون الفني، ذي الحمولة الثقافية الغنية، قدسيته الخاصة، وبالتالي لا يمكن أن يعبث به العابثون، أو يتعاطاه شباب لم يصلوا بعد درجة نضج تؤهلهم للتعاطي مع هذا الكنز الأدبي الرفيع.
الصعوبة الثالثة، التي واجهت الفرقة، هي تضارب مواقف أفرادها، فالبعض كان يرى أن الغوص في فن الملحون، سيشكل مشكلة للفرقة، إذا لم تنجح في تقديمه بما يليق به، كما أن غناء الملحون سيعطي انطباعا بأن المجموعة التي ظهرت بإنتاجات خاصة بها تتغنى بهموم المجتمع وقضاياه القومية، لم يعد في جعبتها ما تقدمه للجمهور، والتجأت إلى ترديد أغاني التراث الشعبي، خاصة وأن ناس الغيوان، في تلك المرحلة كانت في أوج عطائها، واكتملت صورتها كفرقة باعتبارها الفرقة الثورية الأولى في الساحة الفنية، خصوصا وأن جيل جيلالة أصبحت تطاردها إشاعات تتهمها بالمخزنة بعد صدور أغنية »العيون عينيا» التي ساهمت في تعبئة المواطنين للمشاركة في المسيرة الخضراء.
جلس أعضاء الفرقة، وتحدثوا في الأمر، وناقشوا الموضوع من ألفه إلى يائه، وقرروا خوض المغامرة، ألم يسبق أن أعلنوا عن موقفهم كفنانين من قضية الصحراء، التي كانت الموضوع الرئيسي داخل المجتمع المغربي، في فترة السبعينيات فما المانع من خوض تجربة فنية محضة تهم إحدى ركائز التراث الفني الوطني؟
بعد الاتفاق والاقتناع، تكلف مولاي عبد العزيز الطاهري بجمع النصوص الشعرية وعرضها على زملائه، فتم اختيار أربع قصائد وهي «الشمعة»، »الرعد»، »اللطفية» و”ناكر الإحسان”.
يروي عبد الكريم:”بما أننا ننتمي إلى مدينة مراكش، فقد كنا نحفظ مقاطع ونصوصا من الملحون بالطريقة التقليدية المعروفة، لكن فيما بيننا، كنا نجتهد في إخراجها عن النمط الإنشادي التقليدي، خاصة قصيدة «الشمعة» تلك القصيدة الرائعة، بحمولتها الفلسفية وحوارها الأدبي بين المنشد وبينها، شخصيا أحببت هذه القصيدة كثيرا من خلال صوت الأستاذ الجليل التهامي الهاروشي، الذي كنت، ومازلت، معجبا بأدائه وطريقة تعاطيه مع الملحون. بعد اختيار القصائد الأربع، عمد مولاي عبد العزيز ومولاي الطاهر إلى التصرف في النصوص، لأنها طويلة جدا ولايمكن غناء أبياتها كاملة، لكن مولاي الطاهر ومولاي عبد العزيز تمكنا من خلال خبرتهما الفنية، من تقليص القصائد بطريقة حافظت على غرض القصيدة وكنه رسالتها، حتى لا تكون مملة بالنسبة للمتلقي من جهة، وحتى نتمكن نحن من الاجتهاد في الإبداع، إذ لابد من لمسة جيل جيلالة، فنحن الآن بصدد التعاطي مع عمل فني محض، وقد نجح الثنائي مولاي الطاهر ومولاي عبد العزيز الطاهري في هذه المهمة ، بمعية عبد ربه وسكينة وحسن مفتاح، وحتى يعرف القارئ صعوبة الأمر، يجب أن يعلم بأن قصيدة الشمعة، مثلا، تتألف من عشرة أقسام، وكل قسم يحتوي على عشرة أبيات شعرية، وقد جعلنا منها فقط ثلاثة أقسام، دون المس بروح القصيدة، وكذلك فعلنا في تهييء القصائد الأخرى.