ذاكرةرأي/ كرونيك

حين كتب الصحافي محمد باهي في جريدة 23 مارس عن علاقة الحسن الثاني بعبدالكريم الخطابي

خالد بكاري

تقديم:

 وأنا اتصفح مقالات في أرشيف جريدة “23 مارس” التي كانت تصدر من فرنسا في السبعينيات، معبرة عن حساسية من حساسيات اليسار الجديد الجذري، وقعت على مقال في العدد 24 / من 01 إلى 15 مارس 1976، للمرحوم محمد باهي، بعنوان : “رحلة في رأس الحسن الثاني: الألغاز المحيرة في حياة العائلة المالكة”، والمقال هو جزء من مقالات كان باهي المنفي آنذاك في باريس خصصها للرد على كتاب الحسن الثاني “التحدي”، ومن هذا المقال سأقتطف بأمانة مقطعا يخص رؤية الحسن الثاني لحرب الريف التحريرية وموقف الخطابي من العائلة الملكية كما وردا عند باهي:

الصحافي الراحل محمد الباهي

“في مجال حديثه عن المقاومة المغربية ضد الحماية، يتناول الحسن الثاني حرب الريف الكبرى، التي قادها البطل عبد الكريم الخطابي، فيقول: “إن المؤرخ المنصف الذي سيرسم المراحل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لذلك العهد ذي المظاهر الفظيعة، سوف يقرأ أن التهدئة اصطدمت احيانا بأشكال من التعصب الوطني يؤسف لها ، وسوف يلاحظ أن أعنف هذه التظاهرات وأشدها فتكا وقعت فيما بين 1921 و 1925، وقد شارك فيها من ناحية 100000 جندي إسباني و 325000 جندي فرنسي ( 32 فرقة و 44 سربا)، ومن ناحية أخرى 75000 مغربي، قتل من بينهم 20000 شخص مسلحين، ولكن من الذي سلح هؤلاء؟ ومن أجل أي هدف؟ فنحن نعرف اليوم أن المصالح المتضاربة في ذلك الوقت لم تكن لا مغربية ولا فرنسية ولا إسبانية، بقي أن عبد الكريم ثار على المحتل الإسباني الذي استنجد بدوره بالجيوش الفرنسية، وحينما ذهب والدي المقدس (من أين أتيت بهذا القديس؟) إلى القاهرة سنة 1960، حرص على زيارة عبد الكريم الذي أصبح شخصية أسطورية، وتأثر أمير الريف بهذه الالتفاتة.

لقد حال العرش العلوي دون ضم بلادنا ببساطة من طرف إسبانيا وفرنسا، وحين تجد أمة نفسها تابعة لأمتين أقوى منها، وتصبح معزولة وعزلاء من أي سلاح، عليها ان تتجنب امتحان القوة الذي لابد أن يسقطها في براثن عبودية أكبر، إن قتل كل الشباب لا يعني تحرير الأمة، ولا يمكن دفع شعب ما لاقتحام السماء” (انتهى كلام الحسن الثاني).

هذه الفقرة المنقولة من الباب الذي خصصه الملك للحديث عن الحماية تتضمن بما تقوله صراحة، أو تلميحا، أو بين السطور، أو بما لا تقوله في هذه المواطن كلها، جملة من الوقائع لا بد من إبرازها بوضوح. حين يتساءل الحسن الثاني” من الذي سلح هؤلاء؟ ولأي هدف؟” فهو يريد أن يشكك في المحتوى الوطني، والمناهض للاستعمار لتلك الحرب، التي خاضتها جماهير الشعب المغربي في الشمال ضد تحالف مدريد وباريس. وإذ يقول :”إن المصالح المغربية والفرنسية والإسبانية لم تكن موضوع هذه الحرب”، فهو يكشف – ربما من حيث لا يريد – عن وجود تفاهم بين العرش العلوي والقوى الاستعمارية الإسبانية والفرنسية ضد ثورة الريف.

وما لم يذكره الحسن الثاني في هذه الفقرة هو أن تلك الحرب التي حددها هو نفسه بأنها أعنف تظاهرات المقاومة الوطنية المغربية إنما تمت في ظل جده السلطان مولاي يوسف، الذي لم يحرك ساكنا لمواجهتها، أو لنجدة أبطالها.

والربط بين المغرب وإسبانيا وفرنسا منذ تلك الفترة المبكرة من تاريخ المواجهة بين الشعب المغربي والغزاة، ثم الصمت عن الدور الحقيقي للقصر الملكي، يمثل محاولة غير موفقة لتوظيف التاريخ القديم في سبيل تبرير التحالف الحالي مع الإمبريالية.

والكلام عن “أمة معزولة وعزلاء”، يتناقض مع التأكيد على عنف الصراع في الشمال، ويتضمن نزعة مسالمة، الهدف منها تبرير التخاذل الملكي. ولم يتكلم الحسن الثاني طبعا عن المقاومات الأخرى التي استمرت في الأطلس وتخوم المغرب الشرقي والجنوبي، حتى بداية الثلاثينيات.

وأما حين روى زيارة والده لبطل الريف في القاهرة، فقد “نسي” أن يذكر أن المقابلة بين الرجلين تمت بناء على إلحاح خاص من الرئيس عبد الناصر، وأن الأمير عبد الكريم الخطابي رفض أن يذهب إلى الملك محمد الخامس في قصر الضيافة، وأصر على أن يستقبله في بيته بحدائق قصر القبة، بل إن الأمير عبد الكريم الخطابي حرص على أن يبقى في قاعة الانتظار ببيته، حيث استقبل الملك في بابها، رغم أن المرحوم عبد الناصر ألح عليه ليستقبله على الأقل في باب البيت الخارجي.

فقد كان للمرحوم الخطابي رأي خاص في الأسرة العلوية المالكة، يعرفه كل القادة السياسيين المغاربة، وكان يقول بصراحته المعهودة، وخلال جلساته المفتوحة في محمد الخامس وابنه ما لم يقله مالك في الخمر”

محمد باهي: رحلة في رأس الحسن الثاني / 1- الألغاز المحيرة في حياة العائلة المالكة، جريدة : 23 مارس، ع 24، (1 إلى 15 مارس 1976).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى