بونيت يكتب: لهذه الأسباب أتحفظ في الانخراط في مناهضة قانون شبح لا يتبناه أي أحد لحد الآن
عندما ظهرت القصاصات الصفراء الأولى نبهت نفسي إلى التريث في الانسياق وراء كل هاش يهش علينا بعصاه مثل أغنام تائهة.. ومع مرور الوقت بدأ يتضح السيناريو وتكتمل معالم الصورة الغامضة.. لم تبق القصاصات وحدها في المشهد، بل تلتها مذكرة الوزير الرميد الذي ظهر متحفظا على المقتضيات الواردة في مشروع القانون مرافعا ضدها. وتوالى الشراح والمحللون من هذا النهج ليتصدروا المستنكرين.
قراءتي لما يجري حاليا، في ضوء المعطيات المتاحة التي أشرت إلى بعض عناصرها أعلاه، هي أن هناك مشكلة ما في “أغلبية الأغلبية” الحكومية (أعني ما أقول). وهناك من يفضل حل هذه المشكلة بطرحها في ساحة الفايسبوك. فالنص المسرب، لم يعرض بعد كوثيقة رسمية نهائية، علما أنه نوقش مناقشة أولية منذ 19 مارس، بعد أن أضيف إلى جدول أعمال الاجتماع الحكومي المذكور في آخر لحظة، بما يعني انه لم يكن مبرمجا أصلا في ذلك الاجتماع. ومر أكثر من شهر قبل أن يتم قدح شرارة “الشعالة” الحالية، وهي المدة التي كانت كافية لإعداد مذكرة الرميد الرائجة الآن على كل الصفحات؛ وربما كانت أيضا كافية لتقييم الأداء الميداني للفرقاء السياسيين في حالة الطوارئ هذه، والتفكير في رد الفعل..
هناك إذن من يفكر في الوضع الحالي من زاوية استحقاقات 2021 ، وما تتطلبه من عدة وعتاد. ولا أستثني هنا اي طرف من أطراف الأغلبية، من هذا السعي الحثيث نحو محاولة تحقيق بعض النقط التي يمكن ترجمتها انتخابيا في مقبل الأيام. أما الطرف الأكثر تضررا من الوضع الحالي، فيأبى أن يترك مشهد اليوم صافيا، لأنه يقدر أن منافسيه في الحكومة استقطبوا من الاهتمام والحضور الاعلامي والسند الشعبي ما لم يتح له، بحكم بروز بعض القطاعات الحكومية وتواري أخرى. فكان ينبغي القيام بحركة تعيده الى الواجهة، خاصة وأن بارومتر الظهور في المشهد الإعلامي ليست في صالحه. وحتى بطاقة المساعدات الاجتماعية على الصعيد المحلي سحبت منه، لتوضع تحت مراقبة السلطات المحلية.
استغلال أطراف الأغلبية للحظة الوحدة الوطنية الحالية، بشكل سياسوي، أمر ينم عن فقر مزمن في الخيال السياسي؛ ولكنه يبرز أيضا الصورة التي يحملها هذا النفر من السياسيين عن الناخبين، بل وعن عموم المواطنين وعن السياسة.
أما نحن، فقد دخلنا الحجر الصحي بمحض إرادتنا، وارتضيناه كخيار عقلاني، نابع من وعينا بحقيقة أوضاعنا الصحية وتجهيزاتنا، ومحدودية مواردنا، وعلى الخصوص من حرصنا على بناء مشترك لمستقبلنا السياسي في ضوء الحفاظ على مقدراتنا ودولتنا.
وانخرطنا في هذه الوحدة الوطنية بوعي ومسؤولية، وليس تبعا لنزوة او فزعة عابرة. وواهم من يظن أن ما يحصل من التزامنا بهذا الحجر وأسسه القانونية الاستثنائية، هو مجرد غفلة منا أو استسلام دفعنا إليه الخوف من الموت المحذق الحقيقي أو الوهمي. لذلك فنحن نستحق سياسيين نابهين مستشرفين للمستقبل استشرافنا. ولن نحصل على هذا النوع من السياسيين ونحن منزوون خلف شاشاتنا، مستبدلين الفعل السياسي الحقيقي والتواصل في الميدان، بوهم الانسياق وراء كل صيحة تعلو في وسائط التواصل الاجتماعي.
لهذه الاعتبارات جميعا، وفي هذا الوقت بالذات.. أتحفظ في الانخراط في مناهضة قانون شبح لا يتبناه اي أحد لحد الآن، واعتذر لأصدقائي ورفاقي عن توقيع اي عريضة تشير إلى نص غير موجود بالنسبة الي.
حين يصبح النص مشروعا حقيقيا رسميا. سيكون لنا كلام آخر. في الوقت الراهن، لن أشارك في اي مناورة سياسية أعتبرها فجة وعديمة الذوق، وأدعو مكونات الحكومة بالمقابل إالى الرقي بعملها السياسي إلى مستوى اللحظة، وأن تلتزم بحدود التفويض الذي منحناه لها، من خلال اعترافنا المؤقت بشرعية قانون حالة الطوارئ الصحية، وما يتيحه لها من فسحة في التحرك لمواجهة تبعات الجائحة. وكل تصرف خارج هذا الإطار، يمكن اعتباره خيانة للأمانة وللشعب.