فكر .. تنوير

عبدالوهاب رفيقي يكتب: حقيقة الصورة البطولية لابن تيمية في مخيال الحركات السلفية

بمناسبة الحديث عن ابن تيمية دائما والحركات السلفية، ابن تيمية في مخيال هذه الحركات نموذج الشيخ الصادع بالحق الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، وحيثما تحدثوا عن الابتلاء وعن الصبر والمحن كان ابن تيمية النموذج والقدوة، وأغلب المدافعين عن ابن تيمية -فيما شهدت- لم يقرؤوا شيئا من كتاباته اللهم متون صغيرة كالواسطية أو الحموية أو الصارم المسلول في أفضل الأحوال، ولكن يدافعون لما ترسخ في أذهانهم عنه من صورة العالم المجاهد القوال بالحق المبتلى من أجل دينه حتى مات وهوة بالسجن…

لكن بكل موضوعية وبعيدا عن كتابات ابن تيمية واختلاف الناس فيه، هل فعلا دخول ابن تيمية السجن كان بسبب مبادئ كبرى أو قضايا حقيقية تستحق كل هذا الزخم من الإشادة والإعتداد والبطولة والرمزية.

لم يسجن ابن تيمية أبدا في أي قضية مرتبطة بالدفاع عن حق طائفة أو ردا لعدوان واعتداء، أو مطالبة بحق من حقوق الناس، أو احتجاجا على ظلم حاكم أو استبداد أو استعباد.

سجن ابن تيمية سبع مرات لكن بعضها كان مجرد توقيف أو استنطاق ثم إطلاق سراح ، أما أهمها فهي:

سجنه بالقاهرة مدة سنة ونصف، من 705 إلى 707 ه، وسببها مخالفته لعلماء عصره في قضايا متعلقة بالأسماء والصفات والنزول والكلام والاستواء على العرش، وهي قضايا عقدية كلامية اتهم فيها بالتشبيه، ولا ثمرة لها في الواقع.

سجنه بدمشق لستة شهور عام 721 ه ، بسبب رأيه في الحلف بالطلاق ومخالفته لفقهاء عصره في قضية فقهية محضة.
سجنه بدمشق عام 728 ه لمدة عامين وثلاث أشهر، حتى مات بالسجن، بسبب موقفه من زيارة قبر النبي واعتبار شد الرحال إليه بدعة، وهي أيضا قضية فقهية.

اقرأ أيضا

ابن تيمية.. لماذا مايزال يثير كلّ هذا الصخب؟

هذه هي القضايا التي اعتقل وحبس بسببها ابن تيمية بين قضايا كلامية وآراء فقهية، بل يمكن القول أيضا أن ابن تيمية حتى في آرائه هذه لم يكن بما يتصور من صلابة وثبات على الرأي، فقد نقل ابن حجر العسقلاني في كتابه ” الدرر الكامنة” أن خروجه من السجن عام 707 ه كان بعد توبته من كل آرائه السابقة، وذكر نص ما كتبه ابن تيمية وشهد عليه جمع من الفقهاء جاء على ذكرهم جميعا، ومما جاء فيها: ” أنا اشعري، ورفع كتاب الأشعرية على رأسه، إلى أن قال: كتبه ابن تيمية وأشهد عليه أنه تاب إلى الله تعالى مما ينافي هذا الاعتقاد..”

وقد ذكر غير واحد قصة هذه التوبة وأنها سبب خروجه من سجن القاهرة، مما يرجح صحة وقوعها..

فهل يدفعنا هذا لتغيير تلك الصورة البطولية التي جعلت من ابن تيمية ملهما لكثير من هذه الحركات في كثيؤ من أعمالها؟ هي دعوة للبحث بموضوعية في التاريخ، ليس الغرض الحط من الرجل ولا تمجيده، وإنما وضع كل أمر في قدره بما يستحقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى