رأي/ كرونيكسياسة

جمال بدومة يكتب: الصحافي أقصر حائط في المملكة “حجام” العصر الذي “يعلق” كلما سقطت الصومعة..الصحافي هو المزغب

لكثرة ما سمعتها من صحافيين كسالى، ينامون إلى الثانية عشرة زوالا ويدخلون إلى المكتب كي يسرقوا مقالات من الأنترنيت ويحولوا «إيملات» الصباح إلى أخبار، سخرت دائما ممن يسمون الصحافة ب«مهنة المتاعب»، خصوصا أن المهن الخطرة ليست ما ينقص في هذا العالم الذي فقد القلب والأحاسيس. لكنني، مع مرور السنوات والغرامات والسجون، أصبحت أعرف أن التسمية ليست مزحة،

بقلم: الصحافي جمال بدومة

وأننا تورطنا في مهنة جاحدة، يستحسن تجنبها في بلد مثل المغرب، إذا أردت أن تعيش مرتاحا وسط أسرتك، بلا سوابق عدلية، وتزور أمك أكثر مما تزور المحكمة… في أقل من عشر سنوات، رأينا زملاء يقتادون إلى السجن كأنهم لصوص، والشرطة تشمّع أبواب الصحف وتقتحم مقراتها كأنها تدخل إلى ماخور، ورأينا البوليسي يلكم الصحافي ويشتم أصله وفصله وصحون عائلته، ووزير الداخلية يقول لرئيس التحرير: «سير دابا نخلي دار بوك»، ورأينا المخزن يشرّد الصحافيين ويحجز على حساباتهم البنكية كأنهم مجرمو حرب أدانتهم محكمة لاهاي،

والقضاة يلعبون بمصائرنا، بعد تلقي مكالمات من جهات غامضة، تملي عليهم قدر الغرامة وعدد السنوات بسخاء مغربي لا يضاهى… «القانون لا يحمي المغفلين»، والصحافيون هم المغفلون في هذه البلاد، نحن «المزغوبين» و«المُزَغّبين»، كلما أراد أحد في الدولة تبريد أعصابه أو استعراض عضلاته، يشبع فينا صفعا، كما يفعل الحمار بالقرد في نكتة الغابة. الغابة التي مازلنا نسميها «البلاد»، رغم أن أحراشها وأدغالها وحيواناتها المفترسة تتوضح كل يوم أكثر.

الصحافي أقصر حائط في المملكة، «حجام» العصر، الذي «يعلق» كلما سقطت «الصومعة». عندما أفكر الآن في الصديق رشيد نيني، بالكاد أستطيع إيقاف سيل من الشتائم، لا أعرف على من أصبه، وتنتابني رغبة في صفع شخص ما على «قرفادته»، لا أعرف من هو بالضبط، لكنني أعرف أننا نحن أول من يستحق الصفع، لأننا اعتقدنا أن المغرب تبدل وبات بحاجة إلى أصوات حرة، تفضح اللصوص والمفسدين في الوزارات وأجهزة الدولة،

نحن من يستحق الضرب بالحذاء لأننا صدقنا أن الصحافة صارت سلطة رابعة، وأن الوقت حان كي نكتب عن مشاكل المغاربة، بدل الكتابة عن فلسطين والعراق وفينزويلا، أخطأنا حين مزقنا «كليلة ودمية» وحكايات «لافونتين»، وأصبحنا نسمي القط قطا واللص لصا والخنزير خنزيرا.

أخطأنا حين اعتقدنا أننا خرجنا من عهد «بوقرفادة»، الشخصية التي اخترعها معلمنا الأول، عبد الرفيع الجواهري، كي يسخر من إدريس البصري، أيام كان المغرب بالأسود والأبيض. أخطأنا، لكننا سنواصل. سنواصل الكتابة حتى لو كسروا أقلامنا وفرقونا على المنافي والسجون، وبالسخرية التي تزعجهم. قبل أن تسرقنا الصحافة، كنا غارقين في الأدب، وكلما استحضرنا تلك السنوات، يحب رشيد أن يتذكر رئيس إحدى الجمعيات الثقافية في ابن سليمان، كلما رآه عائدا من الرباط، يطلب منه أن يساهم معهم في الجمعية، «واخا غير بشي قيسّة»… كنا نضحك كل مرة يحكيها بسخريته التي افتقدناها، وأتساءل الآن بجدية: بدل هذه الأعمدة الجاحدة التي تقود إلى «عكاشة»، ألم يكن من الأفضل أن نكتفي بكتابة الشعر و«القيسّة القسيرة»؟
الحرية لكافة معتقلي الرأي و الصحافة بالمغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى