الرئسيةميديا وإعلام

«المساكنة السياسية».. كابوس ماكرون الوسطي بعد اتحاد اليسار وشعبية اليمين!

تعد "المساكنة السياسية"  أحد أشكال الحكومة المنقسمة، ووضعًا يكون فيه رئيس الجمهورية والأغلبية البرلمانية من اتجاهات سياسية معاكسة، ويصبح رئيس الجمهورية، الذي يتمتع بسلطة تعيين رئيس الوزراء، مجبرًا على تعيين شخصية تحظى بدعم الأغلبية البرلمانية

زهراء مجدي
بقلم زهراء مجدي صحافية مصرية مهتمة بالشأن السياسى و الثقافى

هل تعيد الانتخابات التشريعية الفرنسية البلاد إلى نظام «المساكنة السياسية»؟
انقضت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، بفوز إيمانويل ماكرون؛ لتحتل الانتخابات التشريعية مكانًا بارزًا في الخطاب السياسي الفرنسي؛ فقالت مرشحة التجمع الوطني ماريان لوبان، التي حققت 41.46% في المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أنها ستخوض المعركة الكبرى للفوز في الانتخابات التشريعية، بينما حاول إريك زمور الذي حصل على نسبة 7% من الأصوات في الجولة الأولى الانتخابات الرئاسية توحيد صف اليمين المتطرف، وتشكيل «كتلة وطنية»، لكن طلبه قوبل بالرفض من التجمع الوطني.

في السياق نفسه دعا السياسي اليساري جان لوك ميلينشون الفرنسيين المحتشدين حول برنامجه الانتخابي إلى انتخابه رئيسًا للوزراء (حل ميلينشون ثالثًا في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، بحصوله على 21.95٪ من الأصوات)، في انتخابات 12 و19 يونيو 2022، كما دعا حزبه «فرنسا الأبية» لعدم التوقف عند حطام أحلام الرئاسة، وتوحيد قوة اليسار الفرنسي، وجعل الانتخابات التشريعية «جولة ثالثة» من الانتخابات الرئاسية، في إشارة لحلم «المساكنة السياسية».

ميلانشو

«المساكنة السياسية»: كابوس الرئيس وحلم الأحزاب

تعد “المساكنة السياسية”  أحد أشكال الحكومة المنقسمة، ووضعًا يكون فيه رئيس الجمهورية والأغلبية البرلمانية من اتجاهات سياسية معاكسة، ويصبح رئيس الجمهورية، الذي يتمتع بسلطة تعيين رئيس الوزراء، مجبرًا على تعيين شخصية تحظى بدعم الأغلبية البرلمانية، وينتج عن ذلك انقسام السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ويتطلب حدوث المساكنة السياسية وجود نظام شبه رئاسي، مثلما هو الحال في فرنسا.

لم يمنح الدستور الفرنسي لعام 1958تفوقًا رئاسيًا للرئيس المنتخب، بل منح السلطات الأساسية للحكومة والأغلبية، واحتفظ الرئيس بحقه في المعارضة وبصلاحيات خارجية، مقابل صلاحيات رئيس الوزراء الداخلية؛ لتتأرجح السلطات بين الرئيس ورئيس الوزراء المنتخب من الأغلبية البرلمانية ومزكى من الرئيس، ولا يمكن لأحدهما الانفراد بالحكم.

لم تكن هناك أزمة ما دامت الأغلبية التشريعية متماشية مع سياسة الرئيس، لكن فرنسا  مرت بثلاث فترات من المساكنة السياسية، فاز فيها معارضو الرئيس في الانتخابات التشريعية.

كانت فترة المساكنة الأولى عام 1986 بين الرئيس فرانسوا ميتران الذي أجبرته الأغلبية البرلمانية على تزكية جاك شيراك، زعيم حزب التجمع الجمهوري الوطني، رئيسًا للوزراء؛ ما تسبب في إبطاء آمال الاثنين الإصلاحية.

تكررت أزمة ميتران بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية، وواجه اختيار الأغلبية البرلمانية اليمينية إدوارد بالادور لمنصب رئيس الوزراء، واستمر التوتر لمدة عامين، بتولي جاك شيراك رئاسة فرنسا عام 1995.

خلفت ولاية شيراك فترة من الهدوء النسبي، لكونه رئيسًا يمينيًا في عصر يتمتع فيه اليمين الجمهوري بأغلبية برلمانية؛ ما مكنه من اختيار أحد أعضاء حزب التجمع الجمهوري الوطني رئيسًا للوزراء، وإنهاء فترات المساكنة السياسية العصيبة. استمر الوضع أقل مما ينبغي؛ فقرر شيراك حل البرلمان ودعا لانتخابات تشريعية مبكرة عام 1997، القرار الذي انقلب ضده بانتخاب الفرنسيين لبرلمان بأغلبية يسارية، واضطرار شيراك للموافقة على رئيس وزراء اشتراكي؛ لتصبح فترة عمل ليونيل جوسبان في رئاسة الوزراء حتى عام 2002 أطول فترة مساكنة سياسية تشهدها فرنسا، والأسوأ على جاك شيراك، الذي اعتبرها شللًا سياسيًا؛ نظرًا لتقييد سلطاته الداخلية.

احتمال قائم لعودة «مساكنة سياسية» لن تسر ماكرون

منذ عام 2000 أصبحت فرص المساكنة السياسية أقل، بعد تقليص مدة الولاية الرئاسية إلى خمس سنوات، وتعديل التقويم الانتخابي، حتى تتبع الانتخابات التشريعية الانتخابات الرئاسية؛ فمنذ ذلك الحين، يحصل الرئيس على أغلبية في الجمعية الوطنية في الأسابيع التي تلت انتخابه، قبل فقدان شعبيته، ويوافق البرلمان على رئيس الوزراء الذي رشحه الرئيس، فيكون لرئيس الجمهورية دور مركزي وحاسم في تحديد التوجهات الرئيسية داخليًا ودوليًا، ليطبق رئيس الوزراء برنامج الرئيس دون تدخل، عكس فترة المساكنة السياسية التي يستعيد معها رئيس الوزراء دوره الرئيس، ويترك لرئيس الدولة صلاحياته الأساسية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وإدارة القوات المسلحة.

طغت الانتخابات الرئاسية الفرنسية على الانتخابات التشريعية طوال العقدين الماضيين، حتى تجددت الأزمة بتجدد الظروف، فالاختلافات اليوم بين سياسات اليمين، واليسار، والوسط الفرنسي حول الحرب في أوكرانيا، ودور الاتحاد الأوروبي، لا تبشر بفترة مساكنة سياسية – إذا فاز حزب ذو توجهات معاكسة لتوجهات ماكرون في الانتخابات التشريعية القادمة – تثري الرأي العام الفرنسي، بقدر ما تنبئ باستحالة الحكم.

فمع إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي العام الجاري، حول ثلاث كتل، تأمل كل كتلة في الحصول على الأغلبية؛ ما جعل عقد التحالفات بين الأحزاب ضرورية؛ لمنع إيمانويل ماكرون من تطبيق برنامجه الانتخابي، والانفراد بالحكم.

تهدف الأحزاب السياسية الرئيسية إلى الحصول على الأغلبية المطلقة في المجلس القادم، أي 289 مقعدًا من 577 مقعدًا؛ لتتمكن من تطبيق برنامجها دون الحاجة إلى التفاوض مع ماكرون والأحزاب السياسية الأخرى، لكن تواجههم أزمة رئيسة، وهي زيادة معدلات الامتناع عن التصويت في الانتخابات التشريعية؛ مما يدل على تزايد عدم اهتمام الفرنسيين بتلك الانتخابات، والتي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها ظل شاحب للانتخابات الرئاسية، فلم يصوت 57.36٪ من الناخبين المسجلين في الانتخابات التشريعية لعام 2017، وهو رقم قياسي لم تسجله فرنسا منذ عام 1958.

وعليه فلن تكون الولاية الحالية لماكرون كما كانت في عام 2017؛ إذ أدركت الكتل السياسية الفرنسية حاجتها للتعافي من فشلها، وأن تستمر في خصومتها مع ماكرون، والاحتفاظ بما تبقى من جذورها في المقاطعات الريفية والفقيرة، أو بالبحث عن تحالفات جديدة، وبالتأكيد، سيسعى التجمع الوطني، الذي وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وحقق أعلى نسبة حصل عليها اليمين التطرف في تاريخه، إلى الحصول على مقعد في الجمعية الوطنية، وستحاول التشكيلات اليمينية التقليدية، والجمهورية، والحزب الاشتراكي اليساري، إزعاج ماكرون في ولايته الجديدة.

السبب الآخر للتضييق على ماكرون في ولايته الجديدة هو اجتماع اليمين واليسار الفرنسي على معارضة برنامجه الانتخابي، في بند الطاقة النووية، والضرائب، والولاء للاتحاد الأوروبي، وبالأخص معارضة رغبته رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، والقضاء على البطالة بين كبار السن، باعتباره أحد حلوله للأزمة الاقتصادية. فقد عارض كل من المرشحين الرئاسيين اليمينيين، واليساريين، والبيئيين، ذلك الاقتراح في برامجهم الانتخابية، ويأملون في الفوز بالأغلبية البرلمانية لخفض سن التقاعد حتى 60 عامًا، و55 عامًا للعاملين بالمهن الشاقة، ورفع الحد الأدنى للتقاعد.

تحالف تاريخي لإحباط برنامج ماكرون الانتخابي

عادت اليمينية المتشددة مارين لوبان إلى المعركة الانتخابية بعد أسابيع من الصمت عقب هزيمتها أمام ماكرون في أبريل (نيسان) 2022، وأعلنت نفسها مرشحة في الانتخابات البرلمانية في يونيو (حزيران)، وعبرت عن أملها في أن يكون لحزبها حضور قوي في البرلمان لقيادة الكفاح مرة أخرى ضد السياسات الاجتماعية التي يريد إيمانويل ماكرون وضعها موضع التنفيذ.

إيمانويل ماكرون ومارين لوبان
إيمانويل ماكرون ومارين لوبان

لم تفوت لوبان الفرصة في مهاجمة السياسي اليساري جان لوك ميلينشون الذي دعا لانتخاب ماكرون في الجولة الثانية أمامها، معتبرة ذلك نفاقًا يشوه الصورة التي يرسمها باعتباره رئيس وزراء معارض محتمل، مشيرة إلى خلافها مع اليسار بشأن قضايا الهجرة والأمن.

رفضت لوبان عقد تحالف مع أحزاب يمينية أخرى، بعدما قدم الكاتب المتطرف الذي تحول إلى مرشح رئاسي، إريك زمور، وحزبه، عرضًا للتحالف معها ضد ماكرون في الانتخابات التشريعية القادمة، لكنه لم يكن حكيمًا بالقدر الذي يمنعه من تذكير لوبان بخسارة عائلتها الثامنة في الانتخابات الرئاسية؛ ما أثار ضيق أعضاء التجمع الوطني، الذين عانوا لتلطيف صورتهم أمام الناخبين الفرنسيين.

أطلق الجمهوريون أيضًا حملتهم التشريعية، من خلال إعادة التأكيد على استقلالهم، في مواجهة إغراءات الانضمام إلى ماكرون، والتي لم تمنع بعض نوابهم من الانضمام إلى الطرف الأوفر حظًا.

في سباق مع الزمن والمألوف في المشهد الفرنسي، انضمت الأحزاب الاشتراكية والبيئية والشيوعية واليسارية المتطرفة في تحالف تاريخي، تحت اسم «الاتحاد الإيكولوجي والاجتماعي الشعبي»، لخوض الانتخابات التشريعية، بعدما دفنوا الأحقاد التي حالت دون اجتماعهم على مرشح يساري واحد لمواجهة ماكرون في الانتخابات الرئاسية قبل أسابيع.

ويرفع التحالف من آمال اليساريين بالفوز بأغلبية برلمانية وآمال ميلينشون لمنصب رئيس الوزراء إلى مصاف الواقع القريب؛ ففي لقاء جان لوك ميلينشون مع راديو «فرانس إنفو» أكد على خوضه الانتخابات التشريعية على قائمة التحالف؛ لنيل منصب رئيس الوزراء، بدلًا عن الرضا بعضوية برلمانية.

كان ميلينشون أول المفكرين في الانتخابات التشريعية، بعد انقضاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فرغم عدم انتقاله للجولة الثانية أدرك ميلينشون أن احتمالية حصوله على الأغلبية باتت ممكنة، ليظهر موحدًا لليسار والبيئيين، بعدما فقد يانيك جادوت، مرشح الرئاسة البيئي السابق، نفوذه داخل حزبه. وهكذا احتل اليسار الرأي العام، بينما يفكر الرئيس في حكومته المجهولة، وترتاح لوبان بعد هزيمتها في الجولة الثانية.

يعد هذا التحالف اليساري لخوض الانتخابات التشريعية الأول من نوعه منذ 25 عامًا، عندما وحد اليسار قواه للفوز بأغلبية برلمانية عام 1997، وتنصيب ليونيل جوسبان رئيسًا للوزراء في عهد الرئيس جاك شيراك، وفي حين لم يفز التحالف اليساري الجديد بعد، لتدخل فرنسا فترة رابعة من المساكنة السياسية، أعاد الاتحاد المفاجئ الحياة للانتخابات التشريعية، فهل تشهد فرنسا «ماكرون الوسطي» مساكنة سياسية؟.

المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى