الرئسيةثقافة وفنون

كوكاس: في موضوع الموت الأفضل أن نثير الرغبة لا الشفقة…

كان شكسبير يقول من نحبهم ليسوا من يبهجنا حضورهم، بل من نحس باليتم والألم في غيابهم

كوكاس
بقلم عبدالعزيز كوكاس

في موضوع الموت الأفضل أن نثير الرغبة لا الشفقة. ذلك كما أكد بطل “الحزن العميق” لجان بول سارتر: “إنني أقرر أن الموت كان المعنى السري لحياتي وإنني عشت لأموت، إنني أموت لأشهد بأن من المستحيل أن يعيش الإنسان”.

 

جوهر الموت ليس هو الرحيل ونهاية الأجل، فنحن نبدأ في الاقتراب من الموت ساعة نولد، لكن المفجع هو الفقد والحزن المرافق له، أي موت الموت الذي هو موجع، حيث الدموع لا تنفس الأحزان بل تزيد من شدتها..

كان شكسبير يقول من نحبهم ليسوا من يبهجنا حضورهم، بل من نحس باليتم والألم في غيابهم، هو ذا ما أحسه اليوم برحيل أمي، بهذا الغياب الحارق أننا لن نسمع حكيها بعد اليوم ولا حتى أنينها الذي نشتهيه ولا حتى عتابها كلما أطلت الغياب عنها، بدل الصمت، وهذا الخواء من حولي.. ما معنى أن لا يبقى لك ممن تحب سوى حزمة من حكايات ورائحة من الحنين والوجع والذكريات؟


يلزمني مدى وأفق واسع بشاعة حلمها وإيمانها لأكتب عن أمي فاطمة باللغة التي تنجح في قولها، لغة الحب والعقل، لغة شفيفة تحاكي خفة وزن جسدها في العالم وثقله في المعنى والوجود.. أفهم الآن عمق السؤال الذي وضعه الهادي بطل “لعبة النسيان” في اجتماع حزبي في لحظة تاريخية حاسمة: “هل تعرفون أمي؟” وهو يقصد للا الغالية التي أحس بفقدها قبل الحزب والطبقة والثورة وباقي الخيبات.. كيف تغيب أمي فاطمة في لحد صغير بمساحة شبر، وهي التي قلبها وحده كان يتسع لله سبحانه تعالى وملائكته وكتبه وأنبيائه وسماواته وأرضه وبحوره السبع وأناشيده ولنا نحن الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد وكل العالمين؟

موجع هو هذا الغياب القاسي، حارق هو هذا الفقد الذي لم نكن على استعداد جماعي لتقبله وحضوره بيننا، في رمشة عين كما لم تكوني مبهجة الحضور..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى