المغرب في حاجة لحكومة تكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكل
يجمع الراصدون للمؤشرات الاجتماعية بأن حالة الاحتقان فاقت أشأم التوقعات و باتت تنذر بالأسوء خاصة و أن النخب التي من المفروض أن تؤثر و تقنع و تؤطر و تشكل وساطة بين الشارع و صناع القرار قد قدمت أوراق اعتماد فشلها الذريع منذ وقت مبكر
لا يخفى على الملأ أن الحكومة القادمة من انتخابات 08 شتمبر 2021 تحظى و إلى جانب السلطة التنظيمية التي تتمتع بها بقوة دستور يوليوز 2011، تحظى بكل فرص إنجاز تعهداتها إن كانت جادة فعلا و توفرت لدى مكوناتها الإرادة السياسية لبلوغ اقتصاد قريب من تجارب الدول الصاعدة و المساهمة، من موقعها المؤسساتي، في التأسيس للدولة الاجتماعية التي لطالما انتظرها المغاربة على امتداد عقود و الدفع في اتجاه إعادة التصالح مع أصل فكرة و فلسفة و توصيات الإنصاف و المصالحة.
المغاربة برمتهم شهود عيان على الوعود الانتخابية المغرية التي قطعها التجمع الوطني للأحرار و معه الأصالة و المعاصرة و حزب الاستقلال و التي ملأت الساحات العمومية و معظم المنابر الإعلامية و جند لها المال و الشخصيات المؤثرة و أشياء أخرى.
لقد وعدوا الناس بتغييرات جوهرية تطال حياتهم اليومية و قدرتهم الشرائية و مجالات الارتفاق في الصحة و التعليم و الإدارة وولوج سوق الشغل و نظام الحماية الاجتماعية. بل و أعلنوا أن التغيير سيشعر به المواطنون خلال أيام من توليهم مقاليد الحكومة .
و بصرف النظر عن إشكالية كون الحزب المتصدر للمشهد النيابي و المترئس للسلطة التنفيذية، كان فاعلا مركزيا في صناعة السياسات العمومية التي أجهزت على المقاصة و فتحت أسعار المواد الأساسية و المحروقات على التقلبات الدولية و أسقطت مبدأ تسقيف الأرباح .
بصرف النظر عن ذلك و عن حكاية الأصالة و المعاصرة و دور حزب الاستقلال في الحكومات السابقة و في المجلس الاقتصادي- الاجتماعي – البيئي ، فإن المتوقع كان هو نجاح الحكومة الحالية في اتخاذ إجراءات تجعل المغاربة يحسون و يلمسون بأن أوضاعهم ستتحسن و سترقى نحو الأفضل وفاءا منها بالتعهدات الكبيرة التي أطلقتها من جهة و عملا على إثبات سدادة الموقف العقابي الذي اتخذه الناخبون ضد حزب العدالة و التنمية.
لقد تظافرت كل الأسباب السياسية لتنجح الحكومة الحالية في الترجمة المادية لمفردات تعهدات أحزابها و تصريحها المقدم بتاريخ 11 أكتوبر 2021 ، رغم صعوبة الظرفية الاقتصادية المثقلة بتداعيات الجائحة و بلوغ الصراع الجيوستراتيجي بين الغرب و روسيا مرحلة المواجهة العسكرية المفتوحة على كل الاحتمالات.
نحن أمام حكومة مشكلة من ثلاثة أحزاب فقط أعلنت إلى الرأي العام انسجامها الكامل، كما أنها تتوفر على أغلبية مريحة للغاية داخل غرفتي البرلمان و تسير جل الجماعات المحلية و المجالس الإقليمية و معظم الجهات، إضافة إلى الدعم القوي الذي تلقاه من الاتحاد العام لمقاولات المغرب و المساندة الواضحة و المثيرة لأبرز المركزيات النقابية، ناهيكم عن كونها لا تجابه لا جيوب مقاومة التغيير، الذين أرهقوا الفقيد عبد الرحمان اليوسفي و استنزفوا إرادته في معارك إثبات حسن النية رغم أن نعم السياسية لدستور شتمبر 1996 و ثقة الملك الراحل كانتا كافيتان لتستمر التجربة وتنتقل من تناوب توافقي فرضته معطيات مرحلة ما بين 1995 و 1999 إلى تناوب ديمقراطي نابع من صناديق اقتراع شتمبر 2002، و لا تماسيح و عفاريت، لم يكف السيد عبد الإلاه بنكيران يوما عن الحديث عنها، و ظلت تؤرقه حتى بلغ حد النجابة لدى كريستين لاغارد و عنادا، لا يشبه السياسة في شيء، إبان ما اصطلح عليه بالبلوكاج.
طبيعي ، إذن ، أن يندهش المغاربة لحجم المفارقة بين ما كان متوقعا و أجج منسوب انتظاراتهم و بين عجز الحكومة البين في إدارة الشأن العام بشكل يتناسب و متطلبات تنزيل النموذج التنموي الجديد و إرساء لبنات دولة الرعاية الاجتماعية التي تعني، ضمن ما تعنيه ، تطهير الحياة العامة من الريع و الفساد و الحد من مظاهر الفوارق الاجتماعية و تجويد الخدمات العمومية و تيسير الولوج إليها و إلى نظام التغطية الصحية و التقاعد و التعويض عن فقدان الشعل و مراقبة حازمة للأسعار و توسيع قاعدة الطبقة الوسطى و دعم قدرتها الاستهلاكية و نقل المعدمين بعيدا عن عتبة الفقر .
تجليات و معالم هذا العجز بارزة في الخرجات الإعلامية، الغير موفقة تماما، لعدد من الوزراء حول قضايا تشغل بال فئات عريضة من شعبنا، كمشروع قانون الإثراء الغير مشروع و حق المجتمع المدني في الملاحقة القضائية لشبهات فساد المنتخبين و قضية لاسامير إضافة إلى الاكتفاء بإحالتنا على تركة حكومتي العدالة و التنمية لتبرير الخصاص الاجتماعي و الركون إلى تدابير تقنقراطية محتشمة و غير ذات وقع إزاء الزيادات الغير مسبوقة في الأسعار و تكاليف العيش.
يجمع الراصدون للمؤشرات الاجتماعية بأن حالة الاحتقان فاقت أشأم التوقعات و باتت تنذر بالأسوء خاصة و أن النخب التي من المفروض أن تؤثر و تقنع و تؤطر و تشكل وساطة بين الشارع و صناع القرار قد قدمت أوراق اعتماد فشلها الذريع منذ وقت مبكر.
لذلك نظن أنه يتعين على الدولة و كل المدركين للقيمة الاستراتيجية للاستقرار المبادرة إلى اتخاذ قرارات و صياغة مبادرات من شأنها التخفيف من أعباء الاختلالات الاجتماعية و تخبط معدل النمو و مراوحة الناتج الداخلي الخام مكانه البعيد عن تحمل تكاليف العدالة الاجتماعية، قرارات و مبادرات عودنا الملك على إبداعها للإبقاء على النفس الإصلاحي قائما كلما ارتئا أن الوضع يستلزم ذلك. كما يبدو أن البلاد، و هي تجتاز إحدى أصعب المراحل من تاريخها الحديث، باتت في حاجة تاريخية لقوة فكرية، سياسية و اجتماعية إصلاحية قادرة على الاقتراح و على تأطير الجماهير و على صيانة انتقالنا الهادئ نحو الديمقراطية.
قضية الوحدة الترابية و الأمن الطاقي و ندرة المياه و الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء و صناعة الثروة و توزيعها العادل و ترسيخ قيم مواطنة قائمة على ضلعي الواجب و الحق و كل المعضلات التي يواجهها وطننا لم تعد تقبل الغموض و التكاسل و الركون إلى التبريرات الواهية و لا مكان فيها لمقتنصي فرص وصف القتامة مادامت المؤسسة الملكية منحازة إلى خيار الإصلاح و الدمقرطة و الإنصاف .
مغرب آخر ممكن فعلا رغم ما قد يبدو من إكراهات هي من صميم تعقيدات مراحل الانتقال و على الحكومة أن لا تعاند مصالح الشعب و أن تتدارك الأشياء و أن تكون جزءا من الحل و ألا تتحول إلى عبئ و جزء من المشكل.