انتخابات الكنيست وعرب إسرائيل: انقسام وانعدام للثقة
تل أبيب: من عبد الرزاق طريبق (ومع)- يخوض عرب إسرائيل انتخابات الكنيست، يوم الثلاثاء 1 نونبر 2022، ضمن ثلاثة قوائم، ما يقزم حجم المقاعد التي سيحصلون عليها، وضع يزيد في تأزيمه ضعف إقبال الناخبين العرب تقليديا عن التصويت، والذي يتراوح في حدود 46 في المائة.
وحقق عرب إسرائيل في انتخابات العام 2019، أفضل نتيجة على الإطلاق حيث حصلوا على 15 مقعدا في الكنيست المكون من 120 عضوا بعد أن توحدت جميع الأحزاب العربية، وتقدمت بقائمة مشتركة واحدة. حينها بلغت المشاركة العربية ذروتها محققة نسبة 8ر64 في المائة.
وعندما انفصلت “القائمة العربية الموحدة” في العام 2021، عن القائمة المشتركة، حصلت الأخيرة على 6 مقاعد، فيما حصلت الموحدة على 4 مقاعد، وهو ما يعني أن التمثيل العربي بالكنيست خسر 5 مقاعد.
تحليل هذه المعطيات يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة نمط الاقتراع الإسرائيلي، وهو القائمة الوطنية بعتبة 25ر3 في المائة من إجمالي الأصوات القانونية.
وحاليا لا تمنح غالبية استطلاعات الرأي لعرب إسرائيل أكثر من ثمانية مقاعد في الكنيست المقبل بعد انفراط عقد التحالف، وتقدم ثلاثة قوائم وهي: القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة، والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، والتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة.
ويمثل عرب إسرائيل 17 في المئة من إجمالي الناخبين (21 في المائة من السكان) الذين يفوق عددهم 2ر6 مليون ناخب.
ولأن الانتخابات تجري وفق نظام القائمة الوطنية، مع احتساب أصوات كل مقعد باقتسام مجموع الأصوات القانونية على مقاعد الكنيست الـ 120، فيما يتعين على كل قائمة تجاوز العتبة المحددة في 25ر3 في المائة من مجموع الأصوات، فإن حظوظ القوائم الصغيرة تبقى ضعيفة للغاية للدخول للكنيست، ومن بينها قوائم عرب إسرائيل الثلاث، وبالتالي يخشى الا تتجاوز واحدة على الأقل العتبة.
ورغم ذلك فكل الأحزاب الإسرائيلية، من مختلف التوجهات، تنظر للناخبين العرب على أنهم عنصر حاسم في تحديد تركيبة الكنيست المقبل، بالنظر لحجم قوتهم الناخبة التي تجعلهم ذوي وزن هام في خضم موازين القوى الحالية، والتقاطبات متعددة المشارب.
فكلا المعسكرين الإسرائيليين المتنافسين ينظر للعرب كورقة انتخابية لتشكيل حكومة مستقرة، أو تحقيق الحد الأدنى من المقاعد اللازم لتشكيلها.
فالنسبة لمعسكر اليمين واليمين المتطرف، الذي يتزعمه زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، فإن الخلافات في أوساط الأحزاب العربية ستترجم بانخفاض نسبة تصويت المواطنين العرب في إسرائيل، وهو ما سيدعم عودة هذا المعسكر من خلال حصوله على مقاعد إضافية، بسبب التخفيض في عدد الأصوات اللازمة للحصول على كل مقعد.
وتؤكد أحدث استطلاعات الرأي أن تراجع الناخبين العرب سيخدم تكتل نتنياهو، الذي يتوقع حصوله على 60 مقعدا بمقعد واحد أقل من الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة.
وفي المعسكر المقابل فإن رئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد، (وسط) ما انفك يحث الناخبين العرب على الاقبال على التصويت والمشاركة.
ويقود لابيد تحالفا هجينا من اليمين واليسار والعرب، جميعهم متفقون على الحيلولة دون عودة نتنياهو للسلطة، ودفعه للخروج ومواجهة ملفاته المعروضة حاليا على القضاء بتهم الفساد والرشوة.
وسبق للابيد أن تحالف لأول مرة مع رئيس القائمة العربية الموحدة، منصور عباس، المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، ليكون بذلك أول حزب عربي يشارك في ائتلاف حكومي إسرائيليي منذ 50 عاما.
لكن ماذا يقول عرب إسرائيل؟ يرى الغالبية أن مواقف معظم الأحزاب الإسرائيلية من قضاياهم هي نفسها، ويبقى الخلاف في الانتخابات الحالية حول شخصية نتنياهو المتهم بتهم فساد والذي يريد جزء من المجتمع تنحيته.
وينتقد عرب إسرائيل ضعف الأحزاب العربية، وأيضا، غياب الإرادة لدى السلطة الإسرائيلية في إيجاد تسويات للمشاكل التي يواجهها المجتمع العربي، إن على مستوى البنيات التحتية الضعيفة، في القرى والبلدات العربية، واستفحال الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، والتهميش في العديد من القطاعات كالتعليم والصحة والخدمات العامة.
ويرى العديد من عرب إسرائيل أنه مهما قدمت من وعود ومبررات فإن تصويتهم لن يغير شيئا، لأن هذا الكنيست لا يمثلهم.
هذا التساؤل نفسه طرحه الكاتب جدعون ليفي في مقال في صحيفة “هارتس” بتاريخ 26 أكتوبر بالقول “لماذا يجب أن يشارك عرب إسرائيل في الانتخابات، والدولة ليست دولتهم، ولا النشيد الوطني ولا قوانين الدولة القومية، ولا الكنيست ولا الأحزاب اليهودية، الذين يفرون منهم كما لو كانوا مصابين بالجذام”، مستطردا “وإذا كان عليهم المشاركة في الانتخابات على أي حال، فهذا يرجع إلى مستقبل الجميع على المدى الطويل بين النهر والبحر، وليس لإنقاذ اليسار الصهيوني من فشله (تحالف لابيد). فهو لا يستحق ذلك”.
وأضاف ليفي في هذا المقال والذي يختزل واقع عرب إسرائيل الراهن وقضية مشاركتهم السياسية إن “يائير لبيد، الصديق الشهير للشعب الفلسطيني، وعرب إسرائيل على وجه الخصوص … هددهم ذات يوم في الناصرة : إذا لم يخرجوا ويصوتوا، فعليهم أن يفهموا أن ما أعطي لهم في العام الماضي سيؤخذ منهم. و بتعجرف المستعمر، أحجم عن ذكر ما أعطي لهم في العام الماضي .. هل نسي أزرار البلاستيك الملونة التي ألقيت عليهم؟ بخلاف ذلك، من الصعب عليهم تذكر أدنى تحسن في حياتهم، أو كرامتهم، أو حقوقهم .. حتى يتم إعادة سلبهم إياها .. وفي عالم مثالي، لا يجوز لأي مواطن عربي أن يشارك في الانتخابات”.
واختتم جدعون ليفي بالقول أنه رغم ذلك “عليهم أن يخرجوا ويصوتوا، ونأمل أن يعرف ممثلوهم كيف يردون الصاع لليسار الصهيوني عن كل أفعاله على مدار السنين، وأن يوضحوا له أن انضمام العرب إلى تحالفه يتطلب تغييرا جذريا، في المعسكر الصهيوني أولا وقبل كل شيء”.