مجتمع

تقرير: زواج القاصرات في المغرب.. التحايل على القانون بـ«الفاتحة» و«الشيكات»

هذا التقرير من إنجاز الصحافية الفلسطينية ميرفت عوف وفيه تقدم بعض من الأسباب الكامنة خلف اتساع دائرة زواج القاصرات بالمغرب، ووجود مساحات شاسعة من تداخل التقاليد والأعراف والعادات في تنامي هذه الظاهرة. زفيما يلي نص التقرير

فتاة يتيمة في الثانية عشر من عمرها، تدعى «فرح» جلست في «العمارية» بصالة «حفلات الورود» الكائنة في مدينة تطوان -شمال المغرب-، وبجوارها «عريس» يبلغ السابعة والعشرين ويعمل مقاولًا. زوّجتها أمها بدون عقد زواج، وهي وسيلة معتادة لدى المغاربة الذين يريدون تزويج بناتهم قبل السن القانونية.

وبالرغم من أن الأمن المغربي استجاب للغضب الشعبي، وأوقف حفل الزواج بعد أن سربت صور الطفلة العروس، إلا أن مسيرة تفاقم ظاهرة زواج القاصرات في المغرب تسير بوتيرة سريعة، فهناك آلاف الحالات الأخرى ما يزال القانون والمجتمع المغربي عاجزًا عن منعها، حتى وصلت نسبتها إلى 16%.

زواج القاصر.. موروث ثقافي نابع من جذور عميقة

بالرغم من جهود محاربة ظاهرة تزويج القاصرات في المغرب، إلا أن النتيجة القائمة الآن هي انتقال هذه الظاهرة من السرية   إلى العلنية، واتساع نطاقها في البوادي والقرى المغربية، فقد قدر عدد تزويج القاصرات في عام 2016 بنحو 40 ألف حالة تقريبًا، فيما تم في عام 2017 تسجيل 30 الف حالة.

و تصل هذا الزواج إلى أكثر من 10% من بين حالات الزواج التي تسجل سنويًّا في المملكة، بينما يذكر تقرير التنمية   في أفريقيا الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2016 أن «نسبة تزويج القاصرات المغربيات بلغت 16%، وهي ثاني أعلى نسبة في المنطقة المغاربية، بعد موريتانيا 34%، والجزائر 3%»، وهي أرقام تقول المصادر المغربية إنها أقل من الواقع بكثير، بسبب وجود آلاف الحالات الأخرى غير الموثقة في البوادي والأرياف والقرى، بل حتى في المدن المغربية نفسها.

 ويعد زواج القاصرات  موروثًا ثقافيًّا في المغرب تحكمه الأعراف والتقاليد، ويعود تفشيه لما يعتبره المغاربة «أزمة أخلاق»، فالأب يقدم على تزويج ابنته في سن مبكرة تملصًا من المسؤولية، ولتخفيف عبء المصاريف اليومية عليه بسبب الفقر،وتظهر دراسة حملت عنوان «تزويج الطفلات بين التشريع والعمل القضائي المغربي والممارسة، حالات الطفلات بإقليم أزيلال» أنه: «تستند أغلب (مقررات الإذن) بتزويج الطفلات على ضعف الإمكانات المادية لأسرة الطفلة، ورغبتها في التخلص من أعباء الفقر والتهميش التي تعاني منه، وتفاديًا لعنوستها، وهو ما يؤدي إلى انقطاعها عن دراستها».

وتوضح الدراسة أنّ: «تغليف طلب تزويج الطفلات بمصلحة مادية يثير مشكلة أخلاقية ؛لأنّه ينبني على شبه استغلال اقتصادي لأكثر الفئات هشاشة، فئة الأطفال»، والصدمة الأكبر هي أن هذه الأسر كثيرًا ما تصطدم بنتائج عكسية في حال فشل هذا الزواج، حيث تعود الفتاة ربما بأطفال لتزيد من هشاشة الأسر التي لجأت لتزويج القاصر.

ولذلك يرى الباحث في علم الاجتماع «لحسن آيت المغروس» أن: «زواج القاصرات في المغرب له جذور ضاربة في التاريخ، وله جذور ثقافية تجسد المكبوت الجنسي لدى بعض المغاربة من الذين يتزوجون قاصرات، ويعتبرون الجسد الأصلح للمتعة الجنسية هو الجسد الصغير الطري، مُفضلين إياه على جسد الراشدة»، ويشير «آيت المغروس» خلال حديثه لـ«دويتشه فيله العربية» إلى «صدمة الفتاة القاصر عند الزواج بسبب غياب الرشد الروحي والعقلي لديها كطفلة، والذي يجعلها غير قادرة على تحمل أعباء الزواج، فمكانها في الحقيقة هو المدرسة واللعب والتعلم».

زواج «الفاتحة» وزواج «الشيكات»

تحايلًا على القانون، يلجأ المغاربة في حال صدور قرار برفض تزويج الفتاة الصغيرة إلى ما يعرف بزواج «الفاتحة»، ويقتصر هذا الزواج على قراءة سورة الفاتحة دون عقد قانوني، فهو زواج غير موثق رسميًّا، ويحرم الفتاة من حقوقها الزوجية، ويحرمها أيضًا في حال الإنجاب من اعتراف الزوج بنسب أطفاله، لأن القانون لا يلزمه في زواج الفاتحة تجاه أبنائه، إذ لا يسجل أبناء هذا الزواج في دفاتر الحالة المدنية، مما يحرمهم من الحصول على بطاقة تعريف وطنية بعد بلوغهم سن الرشد.

قول المغربية «تودة» -20 عامًا- إنها تزوجت عن طريق زواج الفاتحة قبل خمس سنوات، لينتهي هذا الزواج بطلاق، لكن دون أن تحظى بحقوقها كزوجة وأم لطفلين، وتضيف السيدة التي تنحدر من منطقة الصحراء لـ«القدس العربي»: «بالإضافة إلى أنني حرمت من حقوقي الاقتصادية والاجتماعية، فإنني لم أستطع أن أجبر طليقي على تحمل مسؤولياته تجاه الأبناء، وإثبات نسبهم، فأبنائي اليوم لا يتوفرون على هوية تخول لهم الاستفادة من خدمات الدولة، وأهمها الصحة والتعليم».

كذلك في حالة رفض القاضي تزويج القاصر، يلجأ المغاربة الذي يريدون تزويج من هي دون 18 عامًا إلى ما يعرف بـ«زواج الجماعة»، أي إشهاد مجموعة من الأشخاص على أن فلانًا متزوج من فلانة، أما أخطر الوسائل في هذا الزواج فتتمثل في إلزام الزوج بالتوقيع على «وثيقة دين» كضمان لحق الابنة، ويلجأ المغاربة إلى وسيلة الشيك للضغط على الزوج، تقول المحامية والناشطة «حليمة لقرع»: «تكتب في بعض العقود أن الزوج مدين لفلان بـ(مبالغ تتراوح ما بين 10 آلاف إلى 50 ألف درهم) أي ما بين ألف إلى 5 آلاف دولار مقابل الزواج بفتاة قاصر».

وتضيف: «بعد أن تبلغ السن القانونية ويعقد عليها شرعيًّا يسقط عنه الدين، وفي حالة تخليه عن الزوجة قبل وصولها سن الزواج الحقيقي يدفع ثمن الدين الذي عليه لوالديها وينتهي الموضوع، فهو عقد صوري لأن أصله الزواج وليس الدين»، وتوضح «لقرع» أن: «الكارثة عندما يصبح الزواج محله ذلك العقد أو الشيك أنه في أية لحظة يمكن للزوج أن يدفع ثمن المبلغ، ويتخلى عن الزوجة أو الأطفال إن وجدوا».

تقول إحدى الأمهات المغربيات عن تجربة تزويج ابنتها القاصر مقابل شيك مالي، وتدعى «غزلان. ز»: «لقد أخذت منه شيكًا كضمان بـ40 ألف درهم، ووعدني بأن يعقد شرعًا على ابنتي بعد بلوغها سن الثامنة عشر، لكنه وبسبب خلاف بسيط مع عائلته -حيث أسكنها في منزل أهله- طلب منها أن تذهب لزيارة بيت عائلتها حتى تهدأ الأمور»، وتتابع القول: «أتى وطلب الشيك بدعوى أنه يحب أن يفي بوعده، وسلمني قيمة الشيك ثم أخبرني أن الاتفاق الذي كان يربطه بنا قد انتهى، زاعمًا أن ابنتي على غير خلق».

نتائج زواج القاصرات وآلية المواجهة

تتداخل عدة أسباب لنشوء ظاهرة زواج القاصرات، فالجهل والفقر والهدر المدرسي، وغياب التنمية أسباب تقف وراء تفشى هذه الظاهرة في المناطق الفقيرة بالمغرب، لكن ماذا عن نتائج هذا الزواج وآلية مواجهته؟ يؤدي الزواج المبكر إلى حرمان الفتاة القاصر من حقها في مواصلة تعليمها؛ مما يرفع من نسبة الآفات الاجتماعية كالهدر المدرسي، والتفكك الأسري، وتشرد الأطفال.

 

 

كذلك تنتهى الكثير من تلك الزيجات بالطلاق، بسبب غياب النضج لدى القاصر، وعجزها عن تحمل المسؤولية الزوجية، وتظهر دراسة حديثة أن القاصرات المتزوجات قبل السن القانونية، هن الأكثر تعرضًا للعنف والطلاق، كما تظهر ذات الدراسة أن: «98.47% من القاصرات بدون شغل وعاطلات عن العمل، بمعدل 46210 طفلة، مقابلة 1.53% تمارسن عملًا معينًا».

وتضيف الدراسة التي قامت بها «جمعية حقوق وعدالة» أن: «تزويج الفتيات القاصرات أكثر ارتباطًا بانعدام النشاط والهشاشة، بغض النظر عن مكان الإقامة، فالفرق بين المحيط الحضري -حوالي 52%- والقروي -حوالي 47%- ضئيل جدًا».

وفي ما يتعلق بانعدام أي توعية حقيقية للحد بشكل فعال من هذه الظاهرة، يرى المختصون المغاربة أن إحقاق التنمية الفعلية في المجال القروي عامل حاسم في محاربة هذه الظاهرة، وهم يؤكدون وجوب منح هؤلاء الأطفال حقوقهن الكاملة، من كرامة وتعليم وصحة، فالعزلة وغياب دور الطالبة والمؤسسات التعليمية يزيد من تكريس الوضعية التي ينتعش فيها تزويج الفتيات في سن مبكرة.

يقول المسؤول عن برنامج محاربة تشغيل الأطفال بجمعية «إنصاف»، «عُمر سعدون»: «كثيرًا ما تكون هذه الظاهرة في مناطق لا تتوفر فيها بنيات استقبال في المؤسسات التعليمية، وإن توفرت المدرسة تكون بعيدة. وقد لاحظنا أن عددًا من الفتيات تحذوهن رغبة كبيرة في استكمال الدراسة، لكن مصيرهن يكون الزواج في سن مبكرة».

ويضيف «سعدون» لموقع «هسبريس» المغربي أن «أمية الآباء تعد هي الأخرى عقبة كبيرة أمام محاربة الظاهرة، فأغلبهم لا يقتنعون بحملات التحسيس والتوعية، بل يستحضرون دائمًا الوسط الذي يعيشون فيه، ونظرة الجماعة، واعتبار الموضوع من الطابوهات التي لا تجب مناقشتها».

ثغرات قانونية

سنت الحكومة المغربية قبل نحو 14 عامًا قانونًا خاصًا بالأسرة، رفع بموجبه سن الزواج من 16 عامًا إلى 18 عامًا، وكذلك منحت المرأة المغربية حق حضانة أطفالها ومنح القاضي حق الطلاق في هذا القانون.

وينص القانون المغربي على منع تزويج القاصرين لمن هم أقل من 18 عامًا، وبالرغم من اعتبار هذا القانون إنجازًا إلا أنهسرعان ما ظهرت بها ثغرات قانونية، استغلت من قبل المجتمع المغربي بشكل سيئ، ففي المادة 20 من هذه المدونة أعطي للقاضي المغربي حق منح استثناء لتزويج الفتاة دون سن 18، حين جاء في نص هذه المادة أنه: «لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن للفتاة أو الفتى بالزواج دون سن الأهلية وهو 18 سنة، وذلك بإصداره لمقرر يعلل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك».

كما تنص المادة الحادية والعشرون من القانون ذاته، على أن «زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، الذي يوقع مع القاصر على طلب الإذن بالزواج، ويحضر معه إبرام العقد، وفي حال امتناعه أو عدم موافقته على الزواج يبت القاضي في الموضوع»، وبذلك أخذ القضاة بمجموعة من الأسباب كـ«مراعاة الأعراف والتقاليد التي تحتم على بعض المناطق زواج البنت وهي صغيرة السن، أو وجود علاقة حب بين فتاة لم تصل إلى السن المؤهلة للزواج بعد، وشاب يقاربها في السن، وله القدرة على الإنفاق والسكن».

وتمنح هذه الثغرة القانونية التي تركها القانون بيد القاضي فرصةً كبيرةً لتحقيق زواج مبكر، إذ يتم تزويج القاصرات في حالات عديدة بالاعتماد على هذه الاستثناءات التي تكاد تصبح قاعدة، وليس استثناءً، ولذلك اعتبر الحقوقيون المغاربة أن من أسباب تفشي ظاهرة زواج القاصرات هو فقدان نص قانوني صريح يمنع تزويج القاصرات، الأمر الذي يدعو للمطالبة بحذف فوري للنصوص القانونية التي ترخّص تزويج الأطفال، ومنع حالات التحايل على القانون المتعلق بتزويج القاصرات، خاصةً أن التراخيص الممنوحة التي تتم على أساس البحث الاجتماعي، تستند قضائيًّا على أسباب تتمثل في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للوالدين، ثم في حماية الشرف.

وتؤكد جمعية «حقوق وعدالة» على أن القضاة «متساهلين مع القانون والمناورين، فالمادة 20 من مدونة الأسرة، تتيح للقاضي إجراء بحث طبي أو اجتماعي، ولا تقيده بإلزامية القيام بالإجراءين، وبالتالي يبقى للقاضي مجال أكبر للمناورة»، وتشير الجمعية إلى أن «الخبرة الطبية التي يستند عليها القاضي، تمثل 77.7% من رخص الزواج، بينما 22.3% تمثل البحث الاجتماعي، ومع ذلك، لم يؤخذ في الاعتبار الجمع بين المعيارين -الاجتماعي والطبي- في الأحكام الأخيرة الصادرة عن محكمة الدار البيضاء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى